في وقت يعلو الصراخ على مقلب القوى المحلية الموالية لـ«التحالف» بفعل تبادل الاتهامات بالمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية، تعكف حكومة الإنقاذ في صنعاء على محاولة إيجاد حلول عاجلة للأزمة، في ظل دعوة أطلقها قائد «أنصار الله» عبد الملك الحوثي إلى «التعاون في إصلاح وضعنا الداخلي»، بدلاً من «جرّ الناس إلى الفوضى». دعوة وجهود يقابلها على الضفة المضادة تراشق كلامي ازدادت حدّته مع تهديدات «المجلس الانتقالي الجنوبي»، والتي بدا أمس أنها لم تكن سوى محاولة «فاشلة» للاستثمار السياسي في موجة احتجاجية لا تفتأ تتسع رقعتها، مُوجّهةً سهامها نحو «التحالف» و«الشرعية» و«الانتقالي» على السواء.وأطلّ الحوثي، أمس، في خطاب تركّز على الجانب الاقتصادي، دعا خلاله إلى «ثورة جياع على عدونا الذي نقل البنك المركزي، واحتلّ منابع ثرواتنا النفطية، ومنع حركة الموانئ والمطارات»، مُحذراً مِمّن يحاولون «توجيه السخط إلى الداخل، ويسعون للقيام بثورة على أنفسهم». وإذ دعا الحوثي، حكومة الإنقاذ، إلى «تفعيل الريال الإلكتروني والوسائل البديلة التي تحتاج لمساندة من كل أصحاب الخبرة»، حضّ المواطنين على «التركيز على المنتج المحلي، والاتجاه إلى الزراعة»، حاثاً التجار على التعاون مع «اللجنة الاقتصادية والحكومة». وسبق خطابَ الحوثي إعلان اللجنة المذكورة «ضبط 40 شركة ومحلّ صرافة ثَبُت تلاعبها بأسعار الصرف، والتعامل بعملة محظورة في أمانة العاصمة». ضبط هو جزء من جملة إجراءات اتخذتها اللجنة للحدّ من انهيار الريال اليمني، الذي تراجع سعر صرفه أمام الدولار، خلال الساعات الماضية، إلى 690 للشراء و720 للبيع. لكن تلك الإجراءات تظلّ، بحسب اللجنة، قاصرة عن إيجاد حلّ جذري في ظلّ «تحكم قوى العدوان والخونة بالغاز والبترول في مأرب وشبوة وحضرموت وعدم الاستفادة من عوائده»، وكذلك الاستمرار في طباعة العملة من دون غطاء نقدي. وهو ما جدّد الحوثي التحذير منه، لافتاً إلى أن «الأموال المطبوعة في روسيا، والتي تصل إلى عدن، تُصرف على الخونة»، مُذكّراً بأن «السفير الأميركي توعّد، خلال مشاورات الكويت، بأن تكون قيمة فئة الألف ريال يمني أقلّ من قيمة الحبر الذي تُطبَع به».
أعلنت الأمم المتحدة أنها تناقش خطة للحدّ من هبوط الريال


هذه الحرب المتواصلة على الاقتصاد، والتي أريد منها «تضييق الخناق على شعبنا» كما قال الحوثي، استفاقت إليها أخيراً الأمم المتحدة، بإعلانها أمس، على لسان مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث، أنها تناقش خطة طارئة للحدّ من هبوط الريال واستعادة الثقة في الاقتصاد، لافتة إلى إمكانية اتخاذ «مجموعة من الإجراءات الفورية» بعد التناقش فيها بين «البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ووكالات الأمم المتحدة، والخليج بالطبع، وحكومة اليمن (حكومة عبد ربه منصور هادي)» بحسب تعبير غريفيث. إلا أن تلك الخطة المفترضة، التي ربطها غريفيث بـ«التحالف» و«الشرعية»، لا يُعلَم إلى أي مدى يمكن المنظمة الدولية تطبيقها، في ظلّ اعتبار السعودية والإمارات الانهيار الاقتصادي جزءاً من أدوات الضغط على اليمنيين، وعجز حكومة هادي عن وقف التدهور وبل ممارستها عمليات فساد وهدر في عزّ الحرب.
ممارسات لا تزال تشكّل، إلى جانب سياسات «التحالف»، عنوان التظاهرات الغاضبة المتواصلة في مدينة تعز، والتي خرجت أمس أكبرها تحت شعار «ثورتنا ثورة جياع». وأفادت مصادر محلية بأن المتظاهرين عمدوا إلى إغلاق الشوارع الرئيسة والفرعية وسط المدينة، وأجبروا شركات الصرافة على إقفال أبوابها، في ظلّ إضراب عام شمل المحالّ التجارية والمؤسسات الخدمية. وطالب المحتجون بـ«إسقاط حكومة أحمد عبيد بن دغر، وتشكيل حكومة طوارئ مصغّرة»، متهمين السعودية والإمارات بـ«ممارسة سياسة تجويع لتحقيق مكاسبهما». أما في المحافظات الجنوبية، فعلى رغم دعوة «الانتقالي» إلى «انتفاضة شعبية للسيطرة على المؤسسات الإيرادية»، إلا أن هدوءاً مشوباً بالحذر ساد مدينة عدن، توازياً مع صدور ردود فعل مضادة على بيان «الانتقالي»، سخرت من دعوة الأخير إلى السيطرة على المرافق الحيوية والمقارّ الحكومية على اعتبار أن هذه خاضعة للسيطرة الإماراتية، مُتهمةً «المجلس» بأنه يحاول «استغلال ثورة الجياع، واستخدامهم أدوات» لبلوغ غايات سياسية. وهي اتهامات تسندها الكثير من المعطيات، فضلاً عن توقيت إصدار البيان التهديدي الذي سبق لقاءً بين رئيس «الانتقالي» عيدروس الزبيدي، وبين المبعوث الأممي، في أبو ظبي، ناقش بحسب «المجلس» «جهود غريفيث لإحياء المفاوضات، ومشاركة الجنوب مُمثّلاً بالمجلس الانتقالي في المفاوضات المقبلة»، في ما يفسّر محاولة «الانتقالي»، من خلال بيانه أول من أمس، تصوير نفسه مُمثّلاً للهبة الشعبية وقيّماً عليها.