يبدو أن جولة جديدة من التصارع بين القوى المحلية الموالية لـ«التحالف» تلوح في أفق مدينة عدن خصوصاً، والمحافظات الجنوبية عموماً. هذا ما أوحى به، أمس، البيان الصادر عن «المجلس الانتقالي الجنوبي» المحسوب على أبو ظبي، والذي هدّد فيه بـ«السيطرة الشعبية على كل المؤسسات الإيرادية». تهديد سرعان ما استدعى رداً من قِبَل حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، التي حذرت «المجلس» من «إثارة الفوضى». وفيما سُجّلت تحركات عسكرية للتشكيلات التابعة لـ«الانتقالي» في عدن توازياً مع معلومات عن زيارة لرئيسه، عيدروس الزبيدي، إلى الإمارات، وصلت «اللجنة الاقتصادية» المُشكّلة من قِبَل حكومة هادي، يرافقها محافظ البنك المركزي المُعيّن من قِبَل الأخير، إلى المدينة، في محاولة على ما يظهر لامتصاص الغضب الشعبي.وبلغت محاولات «الانتقالي» ركوب موجة الاحتجاجات على تدهور سعر العملة المحلية وتردي الأوضاع المعيشية ذروتها أمس، مع إصدار المجلس بياناً نصّب نفسه من خلاله مُمثّلاً للهبة الشعبية ووصياً عليها، مُبرّئاً نفسه و«التحالف» من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في «المحافظات المحررة»، علماً أن التظاهرات المتواصلة في تلك المحافظات تتوجّه بشعاراتها ضدّ كل الأطراف النافدة في جنوب اليمن. واتهم «الانتقالي»، «الشرعية»، بانتهاج «سياسات كارثية» أدت إلى «انهيار الاقتصاد والعملة وعدم الاستقرار الاجتماعي، وأضرّت بالخدمات، وأوقفت عجلة التنمية وإعادة البناء»، داعياً أنصاره إلى «السيطرة على كل المؤسسات الإيرادية التي تقوم عصابات الفساد بنهبها وطرد مسؤوليها بكافة الوسائل السلمية». وعلى رغم أن البيان شدد على «الاستنفار والجاهزية استعداداً لمواجهة مثيري العبث والإفساد»، إلا أنه دعا «القطاعات العسكرية والأمنية كافة في كل محافظات الجنوب للوقوف مع خيارات شعبنا والانتصار لأمنه وكرامته وسيادته»، ما عُدّ تلميحاً إلى إمكانية اللجوء إلى السلاح على غرار ما حدث في كانون الثاني/ يناير الماضي. وعلى إثر تلك الدعوة، تتالت الأنباء عن تحركات مريبة في معسكر جبل حديد الذي يضمّ قوات من الطرفين المتصارعَين، فضلاً عن وصول قوة من «الانتقالي» إلى نقطة العلم عند المدخل الشرقي لمدينة عدن.
هذه التحركات والتهديدات قابلتها حكومة أحمد عبيد بن دغر، ببيان مضاد حذرت فيه من «أي أعمال شغب من شأنها الإضرار بأمن الوطن ووحدته»، حاضّةً «الجماهير على رفض كل دعوات الفوضى والتمزق والتقسيم»، التي يرفعها «البعض لتقويض الدولة ومساعي تطبيع الحياة». ودعت حكومة بن دغر، «الانتقالي»، إلى «الاتجاه إلى العمل السياسي، والتخلي عن أي تشكيلات عسكرية أو أمنية لا تخضع للسلطة الشرعية»، مُحذِّرة من «إثارة الفوضى التي سيكتوي بنيرانها الجميع، ولن يستثنى منها أحد». وسبق صدورَ البيان وصولُ «اللجنة الاقتصادية»، المُشكّلة من قِبَل حكومة هادي، إلى قصر معاشيق في عدن، حاملةً معها، وفق ما أفادت به بعض الأنباء، المنحة السعودية الجديدة للبنك المركزي، والمُقدّرة بـ200 مليون دولار، في خطوة أريد منها تسكيت الغضب المتصاعد في المحافظات الجنوبية، وكذلك تعز، على الانهيار الاقتصادي.
لكن تلك الخطوات لا يبدو أنها ستفلح في إيقاف كرة الهبة الشعبية. إذ تواصلت، أمس، في مدينة تعز، لليوم الثاني على التوالي، التظاهرات المترافقة مع إغلاق المحال التجارية، رفضاً لـ«قتل اليمنيين بالحرب والجوع» على يد السعودية والإمارات، وتنديداً بـ«فساد السلطة الشرعية». وفي مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، نُظّمت احتجاجات على التدهور المتواصل في سعر صرف الريال اليمني، والذي أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الاستهلاكية. وعلى رغم الزخم المناهض لـ«الشرعية» و«التحالف» و«الانتقالي» على السواء، والذي لا يزال طاغياً على احتجاجات الجنوب، إلا أن خشية تسود أوساط النشطاء من أن يكون بيان «الانتقالي» أمس مقدمة للانقضاض على الاحتجاجات، خصوصاً أن البيان المذكور لاقى ما يشبه الترحيب في وسائل الإعلام الإماراتية.