القاهرة | لم يمر منح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «قلادة النيل» للعقيد الراحل يوسف صديق، المنفذ الحقيقي لـ«ثورة 23 يوليو»، من دون إثارة التساؤلات عن الرسالة السياسية المُحتملة من هذه الخطوة. ومِمَّا لا شك فيه أنّ التكريم الذي تأخر 66 عاماً لهذا الضابط الذي نجح بقواته التي تحركت من معسكر «الهايكستب» مبكراً منتصف ليلة 23 تموز عام 1952 في السيطرة على مقر قيادة الجيش المصري على كورنيش النيل، في وسط القاهرة، وهو المبنى الذي تحول لاحقاً إلى مقر قيادة الثورة، يكتسب أهمية إضافية في ظل التكهنات الدائرة في الحلبة السياسية في مصر بشأن احتمالات انتقال السلطة في انتخابات عام 2022.السيسي الذي يقول إنّه يؤمن بعبد الناصر ولا يفوّت مناسبة إلا بالحديث عن إنجازاته وجهوده، فاجأ جميع العسكريين بتكريم صديق ومنحه قلادة النيل، وهي أعلى وسام تكريمي تمنحه الدولة المصرية، فيما يُعَدّ التكريم ردّ اعتبار للعسكري الذي نُحِّي بعد أشهر من الثورة بسبب رأيه بضرورة عودة الجيش إلى ثكناته والابتعاد عن ممارسة السياسة، وهو الرأي الذي دفع ثمنه باقي حياته بالإقامة الجبرية بعدما سجن لنحو عام في السجن الحربي ليرحل بصمت في منتصف السبعينيات.
مفاجأة السيسي في تكريم صديق لم تقتصر على اختيار التوقيت الذي يتزامن مع مقال الكاتب عز الدين شكري فشير الذي يرى إمكانية تسليم السلطة في عام 2022، وفِي وقت مهّد فيه القانون لحماية العسكريين من أية محاكمات لاحتمال منحهم الحصانة مدى الحياة وعدم جواز محاكمتهم، خاصة القادة العسكريين الذين يصدر قرار باستدعائهم بعد إحالتهم على التقاعد، وهو ما حدث مع غالبية أعضاء المجلس العسكري منذ عام 2011 وحتى الآن.
يشير اختيار السيسي يوسف صديق لتكريمه عشية ذكرى الثورة إلى أن آراء العسكري الداعي لبقاء الجيش بعيداً عن الحكم باتت محطّ أنظار الرئيس الذي يفترض أن تكون ولايته الحالية هي الأخيرة وفقاً للدستور الحالي، فبالرغم من إطلاق مؤسسات الدولة حملات لتعديل الدستور، إلا أن الجنرال المصري لم يُبدِ رأياً حاسماً حتى الآن في مسألة ترشحه لولاية ثالثة، مؤكداً في جميع التصريحات الرسمية أنه يكتفي بولايتين فقط.
حتى الآن لا توجد مؤشرات جادة على اتخاذ السيسي قراراً بتسليم السلطة في 2022. صحيح أنه لا يوجد وجه سياسي أبدى استعداده لخوض المنافسة الجادة في الانتخابات المقبلة بعد عمليات التحجيم التي شهدتها الانتخابات السابقة للمرشحين المحتملين بإقصاء متعمد واستبعاد كل من يمكن أن يواجه السيسي، إلا أن الرهان على عنصر الوقت لا يزال هو الفيصل مع بقاء نحو أربع سنوات على فتح باب الترشح مجدداً، يمكن أن تشهد خلالها الحياة السياسية العديد من المفاجآت، ولا سيما مع الانتخابات البرلمانية المقررة في عام 2020.
بالعودة إلى تكريم يوسف صديق، فإن الاستفادة المعنوية لأسرته التي عانت من التهميش لسنوات طويلة هي الأهم والأكثر فائدة حتى من العائد المادي المتمثل في معاش يصرف لبناته. فرغم أن العقدين الماضيين شهدا العديد من المواقف التي أبرزت دور صديق في «ثورة يوليو»، بدايةً من مذكراته التي خرجت للنور في أواخر التسعينيات، مروراً بالحديث المتزايد لابنته في وسائل الإعلام والسماح لها بالظهور والحديث عن والدها، إلا أن الدولة لم تكرمه في أي مناسبة، بالرغم من تكريم جميع قيادات الثورة.
بعد «ثورة يوليو»، كان صديق يدعو إلى ابتعاد الجيش عن السياسة


يوسف صديق هو الضابط الذي اعتقل أنصار الملك خلال محاولتهم إحباط الثورة، وفضل استكمال مسيرة التحرك من «الهايكستب» على أطراف القاهرة بالجنود للسيطرة على مركز قيادة الجيش، هو البطل الحقيقي للثورة، وقد نجح في تجاوز عقبات عدة كان يمكن أن تؤدي به إلى الوأد. فالعقيد الشاب الذي خاض حرب عام 1948 وعاش مرارة الهزيمة لم يكن راضياً عن طريقة إدارة الملك للبلاد، وظل راغباً في تطبيق نظام ديموقراطي يكون الجيش فيه بعيداً عن السلطة ولا يتحرك إلا بناءً على ردّ فعل الشعب الذي عانى من الفساد والتهميش في عصر الملكية.
السيسي في كلمته لمناسبة تخريج دفعات جديدة من طلبة الكليات والمعاهد العسكرية، أكد أن «ثورة يوليو» غيّرت واقع الحياة على أرض مصر وامتدّ تأثيرها ليتجاوز حدود الإقليم، مضيفاً أنّه «في عيد ثورة يوليو نذكر بكل إعزاز أسماء الرجال الذين حملوا رؤوسهم على أكفهم، نذكر اسم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر قائد الثورة الذي اجتهد قدر طاقته للتعبير عن آمال المصريين فى وطن حر مستقل تسوده العدالة الاجتماعية، واسم الزعيم الراحل أنور السادات الذى بذل حياته ذاتها في سبيل الحفاظ على الوطن وصون كرامته وحماية أراضيه والرئيس الراحل محمد نجيب الذي لبّى بشجاعة نداء الواجب الوطني في لحظة دقيقة وفارقة».
داخلياً، قال السيسي إنّ مصر واجهت خلال الأشهر الثلاثة الماضية «نحو 21 ألف شائعة»، هدفها إثارة البلبلة ونشر الفوضى وعدم الاستقرار وصناعة الإحباط وفقدان الأمل بين الشعب، مضيفاً أنّ «الخطر الحقيقي هو تفكيك الدول من الداخل».