الأردن حليف لإسرائيل بدرجة عميد والآن خُفِضت رتبته إلى ملازم لا وجود لرئيس وزراء والمجلس هو مجلس مستشارين
إحياء «الموك» وترامب يريد أن يقاتل برجالنا

نستطيع أن نقول لا لصفقة القرن إذا حضر للملك الوعي وجمع شعبه حوله

شهدت نقابة المهندسين الأردنيين، خلال أيار الماضي، انتخابات اتسمت بإبعاد الإسلاميين لأول مرة منذ ربع قرن عن مفاصل إحدى أكبر النقابات وأدواتها في الأردن. الجدل الذي حدث حول النتائج شارك فيه واحد من أبرز نقبائها السابقين ليث شبيلات. انخرط شبيلات في الحياة السياسية البرلمانية وعرف بمعارضته للتطبيع والوجود الأميركي في الأردن، وكان من الشخصيات الإسلامية التي انتقدت الحركة الإسلامية والمعارضة، كما النظام. دخل السجن مرات عدة، وأطلق سراحه الملك بنفسه في إحداها. نقد شديد وجّهه شبيلات من خلال مقابلة مع «الأخبار»، للنظام بأركانه على مواضيع عدة داخلية وخارجية، أبرزها غياب القرار السيادي.

هل تمثل الضغوطات الاقتصادية الحالية إرهاصات لانفجار اجتماعي لم يشهده الأردن قبلاً؟
لا شك، الكل يدرك ذلك. لذلك، الأردن في هذا الوضع الذي هو فيه عرضة للبيع والشراء، والآن هو معرّض لكي يُضغَط عليه كي تُشترى مواقفه، ولا أكتم سراً حين أقول إننا معتادون البيع والشراء. هذا ليس بأمر جديد علينا.

يصف رئيس الوزراء هاني الملقي أهل الأردن بأنهم في عنق الزجاجة، هل توافقه على هذا التقدير؟
هل عندنا في الأردن رئيس وزراء؟! ليس هناك رئيس وزراء في الأردن، ولا حتى مجلس وزراء، ما هو موجود مجلس نُظّار مثل الذي كان موجوداً وقت تأسيس الإمارة في عام 1921، وهو مجلس مستشارين لا يرقون إلى مستوى وزير. فهذا الأخير صاحب سلطة سيادية ومسؤولية جماعية مع زملائه. أما الذي ينفذ فقط شؤون وزارته، فهو مدير يطيع مسؤولاً أكبر منه، وها نحن نعود بعد سنوات بعد أن تقدمنا بحكومات وطنية مثل حكومة وصفي التل صاحب الإرادة المستقلة كشخص، عدنا إلى حكومات تافهة لا أحفظ حتى أسماء 80% من وزرائها. سُئلت مرة عام 1986 عن سبب بروزي، فأجبت لقد فسد الزمان إلى أن بات ما أفعله يعتبر بطولة، بينما كان آباؤنا يعتبرون تركه نذالة.

الضغوطات التي وصفها وزير الإعلام المتحدث باسم الحكومة محمد المومني، بأن الجبال لا تتحملها، هل هي إملاءات من نوع جديد، أم تداعيات لنهج اقتصادي؟
نحن نعرف أننا تحت ضغوطات لا تتحملها جبال، وسببها سياساتنا، في أي سلة وضعنا عنبنا، وأية قرارات استراتيجية اتخذناها، وهو يقول أسوأ من ذلك، أن 49% من الانتقادات مسيّرة من سوريا! كلام سخيف يسخر منه الشعب ويتندر به. وكأنه يقيس بميزان الذهب النسبة، ويملك حساس اليورانيوم ليستشعر الوجهة التي جاءت منها الانتقادات ولا يدله الحساس على الشكوى الداخلية الحقيقية، وكأن الشعب ينتظر إشارة من سوريا ليعبّر عن فراغ الأمعاء والجيوب الخاوية.

ما قراءتك للإضراب الذي دعت إليه النقابة، وما أفق الاستجابة للمطالب؟
النقابات دعت إلى الإضراب، في وقت جميع شرائح المجتمع دون استثناء متضايقة فيه وخائفة من مشروع قانون ضريبة الدخل. فنجاح الإضراب اليوم متوقع بنحو لا مثيل له في السابق، وأقول لك هذا وأنا نقيب منذ خمس وثلاثين سنة، ولم نفلح في جمع ما نتوقعه اليوم. انظري حولك، جميع العاملين في مكتبي خارجين للاعتصام أمام النقابات. ولكنني لست مرتاحاً لقوة شخصيات مجلس النقباء وقدرتهم على إدارة الأزمة التي ستكون جماهيرها أكبر مما يتخيلون (ليس اعتصاماً ديكورياً كما تعودنا سابقاً)، وعندها إذا تلكأوا بالقيادة في المرحلة التالية سيقلبون أنفسهم ضمناً كأدوات تنفيس تمرر في النهاية ما تريده الحكومة. إذا حدث ذلك، وهو ما أتوقعه من خبرتي بمستوى قيادتهم، فسينقلب المشهد إلى قول جرير: زعمُ الفرزدقُ أن سيقتل مربعاً ... أبشرْ بطولِ سلامةٍ يا مربعُ.
الحركة الإسلامية في الأردن تفّهت نفسها وصغّرت من دورها



هل ضرب النظام تماسك الحركة الإسلامية في الأردن؟
الحركة الإسلامية في الأردن للأسف حركة تفّهت نفسها وصغّرت من دورها الذي كان كبيراً، وكان يجب أن يكون لها دور كبير. بدأت تتفّه نفسها منذ ثلاثين سنة باتخاذها قرارات خاطئة، فاتخذت موقعاً تظن أنها ستنتصر به، ولكن في نهاية المطاف خسرت. الحركة الإسلامية الآن في الوضع السياسي القائم شبه غائبة، ولا سيما في هذا الإضراب الكبير ضد قانون ضريبة الدخل ونظام الخدمة المدنية، هم أكبر تنظيم في البلد، الإخوان المسلمون وجبهة العمل الإسلامي، من المفترض أن يكونوا هم من يملأون الشوارع، إن وجودهم في أكبر أزمة نمرّ بها اليوم ثانوي وليس رئيسياً. لقد تم (ضبعهم) واستيعابهم كلياً بسبب من سوء إدارتهم السياسية في العقود الثلاثة الماضية.

من هم أعداء الأردن، خصوصاً مع التطورات التي طرأت على المنطقة في العشرين سنة الماضية؟
العدو التاريخي هو إسرائيل والمشروع الصهيوني الذي لم يتوقف ولن يتوقف، وهذه الدولة التي لم تكتب دستورها تجنباً لتحديد حدودها كما وصف بن غوريون. ليس هناك إلا عدو واحد، ومن يكبّر أي عداوة أو خصومة أخرى، يصبح جزءاً من العدوان، لأن ذلك يخدم المشروع الصهيوني.

عاد السفير الأردني لدى تل أبيب وليد عبيدات إلى المركز في وزارة الخارجية منذ بداية أيار الماضي ضمن تنقل روتيني، كيف يمكن قراءة هذه العودة، ولا سيما أن الأردن لم يسمِّ سفيراً جديداً، والملك عبد الله لغاية اللحظة لم يتقبّل أوراق اعتماد السفير الإسرائيلي الجديد في إشهار إعلامي كما هو معمول به عادة؟
المخابر غير المظاهر! وأستطيع القول بأن نظامنا يجرؤ على أن يُعصي إسرائيل، وخاصة بعد أن قفزت بأحلافها فوق رؤوسنا إلى الخليج. وأكثر من ذلك، أعتقد أن أكبر مسيّر لنا هو جارنا الصهيوني الذي يحسب له ألف حساب، والتعامل مع حادثة السفارة العام الفائت دليل على ذلك.

هل هناك تراجع في العلاقات الأردنية – الإسرائيلية المباشرة؟
الأردن كان حليفاً لإسرائيل بدرجة عقيد أو عميد، والآن خُفِضَت رتبتنا لملازم، وجاءت السعودية الآن برتبة جنرال!

على ماذا يؤشر السخاء العسكري الأميركي للجيش من مساعدات مالية مميزة وتدريبات مشتركة دورية تُعَدّ الأكبر والأضخم في المنطقة؟
في عام 1990، وكنت نائباً في البرلمان في حينها، انفردتُ مع نائبين آخرين، هما منصور مراد ويعقوب قرّش، بإصدار بيان ضد الوجود والتدريبات والقواعد الأميركية العسكرية في الأردن، ولم يجرؤ آخرون على ذلك. المشكلة ليست فقط في الحكومة، بل في جبن قيادات المعارضة والمجتمع الكاذبة التي سكتت في البرلمان عن فساد وجود هذه القوات وتناميها منذ ذلك الوقت (30 سنة)، وعن تغيير العقيدة القتالية لجيشنا العربي المصطفوي من العدو الصهيوني إلى محاربة الإرهاب وقوات سلام عالمية، وإن هي ذكرت الموضوع يكون بمواربة. قبل الحديث عن ماذا تفعل هذه القوات، يجب أن نقول إن الجريمة الكبرى يرتكبها المصلحون (نحن) الذين لا نقف سداً منيعاً في وجه حكوماتنا، إذ سمحت باحتلال إرادتنا، وكذلك السماح بوجود عسكري أجنبي على أراضينا.

هل ترى دور الأردن في المرحلة القادمة كمعبر لوجستي آمن في المنطقة؟
الأردن من زمن سابق معبر يستخدمه الكيان الصهيوني لتمرير بضاعته للخليج. فهناك علاقة بينهما ظهر أنها تفوق علاقتهما بنا، حتى منذ تقسيم الخريطة استُثني الأردن من الكيان الصهيوني الموعود تمهيداً لطرد الفلسطينيين إلى أراضيه وإعطاء فسحة للدولة الوليدة لتأخذ قوتها، ومن ثم إما يعاد ابتلاع الأردن أو يُبقى الفلسطينيون هنا.

إبقاء الفلسطينيين في الأردن وتجنيسهم ومعاملتهم وفقاً للمادة الثامنة في معاهدة وادي عربة هو شكل التوطين الجديد، أم أن كل موضوع التوطين أصبح أسطوانة قديمة مكرورة؟
التوطين موجود كما ذكرت في اتفاقية وادي عربة، والإسرائيليون لا يزال عندهم خطط حقيقية لتفريغ أراضي 1948 والقدس والضفة الغربية من العرب، ولكن أهلنا وأحبتنا يمثلون قدوة، وهم من صبروا وبقوا في فلسطين بعناد، رافضين أي خطط مستقبلية لتهجيرهم، حتى لا ينفرد الإسرائيليون بيهودية الدولة.

هل يستطيع الأردن رفض صفقة القرن؟
نستطيع أن نقول لا، إلّا إذا حضر للملك الوعي وقرّر أن يجمع شعبه حوله. سنجوع كثيراً ونعاقب بشدة، ولكننا في واقع الأمر رقم صعب وموقعنا الجيوسياسي صعب، وعليهم أن يعقدوا صفقات أفضل معنا. الملك بإمكانه أن يفعل كما فعل أبوه في أيام حرب العراق؛ حيث كان الأردن منفرداً برفض الغزو الأميركي للعراق بالرغم من وجود قوات عربية في غزو العراق عام 1990 (ومنها مصر وسوريا)، ومورست علينا ضغوط مرعبة، لكن التفاف الشعب حول الملك حسين جعلنا نتخطى المأزق، وكانت تلك الأيام من ناحية دولية أصعب بكثير من الآن حيث ما عادت الولايات المتحدة منفردة وحدها في العالم، بل حتى أوروبا اختلفت اليوم مصالحها وسياساتها معها، فضلاً عن الصين وروسيا، وكذلك في الإقليم تحرر إيران وتركيا عن الإرادة الأميركية.

في موضوع القضية الفلسطينية، يهتم النظام في الأردن بملفين: القدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية، والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، فما مجال المناورة بهما؟
كنت أرغب في أن أصدق وجود مثل هذا الاهتمام. ففي الظاهر، نعم هناك اهتمام بهذين الملفين، ولكن لم أؤمن في يوم بأن هذا الاهتمام عميق واستراتيجي وأنهم مستعدون ليقاتلوا من أجله. كان والدي رئيساً لديوان الملك عبد الله الأول المؤسس، وقد روى عن الأخير بأنه كان يقول لغلوب باشا: باشا إذا علمت أنه ستكون هناك مناوشات عسكرية في القدس، وأنا أعرف أن اليهود يريدون ابتلاعها، أطلب منك أن تخبرني لأني أريد أن استشهد على أسوار القدس. هذا كان رأي مؤسس المملكة في موضوع القدس، وأنا أشك في أن يكون للملك الحالي الرغبة والاهتمام نفسيهما.

ما مدى أهمية الوصاية الهاشمية على القدس بالنسبة إلى النظام الأردني؟
لا يدرك الملك بعمق قيمة الوصاية التي أورثه إياها أبوه. فجده الأكبر قائد الثورة العربية الحسين بن علي، مدفون هناك، جده الملك عبد الله الأول استشهد في القدس، هناك علاقة دم بين العائلة الهاشمية والقدس. من ناحية أخرى، من الذي على الأرض أولى من الهاشميين بالوصاية على القدس؟! ولكن هات هاشميين يعون عظم المسؤولية ومستعدين للشهادة دفاعاً عنها.

لماذا أُشرِكت مصر في ترتيبات المرحلة القادمة فيما بقي الأردن وحيداً، مع العلم بأن كليهما وقع معاهدات سلام مع إسرائيل؟
حجّمت مصر دورها في المنطقة، حتى إسرائيل لم تعد تنتبه لها بعد أن كانت تعتبرها الجائزة الكبرى. ولسنوات كان الكيان الصهيوني يعتبر الخليج المرحلة الثانية في فرض واقعه في المنطقة ومصر المرحلة الثالثة، ولكن بكل أسف المرحلة الثالثة تحقّقت مبكراً، والخليج أهم كثيراً لتل أبيب بعد انفتاحه وتراجعه عن شعارات التحرير ومعاداة إسرائيل بل بإظهار التحالف العلني مع إسرائيل بعد أن كان التحالف طيّ السرية لمدة طويلة جداً. وتهجمهم على الفلسطينيين واعتبار أن الفلسطينيين هم من باعوا أرضهم وغيره من كلام ساقط.

لماذا هناك تخوفات أردنية من العملية العسكرية المرتقبة من قبل الجيش السوري على درعا؟
هناك عدة جوانب لهذه المخاوف، أولها من دخول لاجئين جدد ومن هرب الجماعات الإرهابية إلى داخل المملكة والبدء بتنفيذ عمليات في الأردن، خاصة أن هناك ثأرات بهذا الموضوع مع النظام. من زاوية أخرى، هو خائف بالإنابة عن حليفه إسرائيل التي لا تريد من إيران وحزب الله الاقتراب من الحدود، ولا حتى في كل سوريا، حيث إن هذا الأمر سيحدث حرباً أكبر مما يلزم لتطهير الجنوب السوري، فكل طرف سيحاول أن يطهّر الآخر، ليس من المستهدَف الأول فحسب، بل من خصومه في الخندق الواحد أيضاً.

هل سيتدخل الجيش الأردني في معركة الجنوب السوري؟
لغاية الآن أشك، مع أن رئيس أميركا الدب الهائج يريد أن يقاتل بأموالنا ورجالنا، مثل الإنكليز في الحرب العالمية الأولى حين كانوا ينهبون الهند ويرسلون فرقة هندية لغزو العراق مثلاً.

من حليف الأردن في الملف السوري؟
يتراقص الأردن هنا وهناك، ولا شك في أنه كان ضالعاً في التآمر على سوريا، وهنا توجد غرفة «الموك»، وهي غرفة عمليات أميركية خليجية أردنية إسرائيلية. وإذا عملنا مقاربة بينها وبين هيكلية الشركات، فسيكون في مقام المدير التنفيذي لها المقيم في عمّان في ذلك الوقت الأمير محمد بن سلمان، ومن في مقام رئيس مجلس الإدارة كان الأمير بندر بن سلطان، ومن فترة أعادوا إحياء الموك.
مع ذلك حفظ النظام خطاً مع سوريا بأنه لم يندفع أكثر عمقاً من ذلك، وأبقى على علاقات واتصالات مع السلطات في سوريا، وهذا أمر يحمد له، ويحاول من وقت إلى آخر تحسين هذه العلاقة، ولكن بسبب فقر موارده وإمكاناته الاقتصادية لا يستطيع الاقتراب أكثر، فذلك يغضب الخليج.

لماذا لم تعد هناك مساعدات سعودية وخليجية كما السابق، وهذا ملاحظ من المنحة الخليجية التي جاءت على شكل مشاريع تنموية قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر؟
المساعدات شحّت كضغط على الأردن. أما لماذا أصبحت المساعدات على شكل مشاريع تنموية بسبب من الشك المشروع في أمانتنا من حيث المعاملات النقدية، فهم لا يثقون بإرسال أموال لا يعرفون أين تصرف، لذلك جاءت هذه المشاريع المرفقة بفواتير واضحة تُدفَع. وللأمانة، السعودية وباقي دول الخليج لم يكونوا ظالمين. نحن ظلمنا أنفسنا في ذلك، ولم نحسن التصرف في النقد الذي كان يأتينا، ولو كنت مكانهم لأوقفت النقد، أو لفعلت كما فعلوا، إلّا في حالة وجود حكومة موثوقة عفيفة أمينة. أما قطر، فلم تلتزم بالمنحة الخليجية.

هل أنت مع بقاء النظام السوري؟
عندي ملاحظات كثيرة لن تعجب النظام السوري، ولكن هناك أمور أدافع بها عن الدولة السورية، في ذات الوقت هناك مواقف لي لا تعجب المعارضة السورية أبداً. أنا مع الدولة السورية وضد انهيارها وضياع أراضيها وتقسيمها، وهذا إن أعجب أصحاب المواقف الهوجاء أو لم يعجبهم لا يكون إلا بوجود الرئيس الأسد. إن شعار إطاحة الرئيس الأسد كان شعاراً دولياً وخليجياً بامتياز لاقى قبولاً وفرحاً عند المعارضين الذين أخطأ معظمهم إلا من رحم ربي بإقامة علاقات تبعية مع القوى الغربية والخليجية أفقدت تحركهم أية شرعية قانونية في ما عدا الشرعية الانسانية التي تحمي أرواحهم وممتلكاتهم من التنكيل والاضطهاد. فأنا بكل تأكيد ضد هدم الدولة السورية وإعادة سيناريو العراق، وإن درء المفاسد أولى من جلب المنافع كما تقول القاعدة الشرعية، وفي بداية الحدث رجوت الرئيس الأسد الذي خالفني في أن الثورة ستصل إلى بلده قائلاً له: إن حدثت ثورة أرجوك أن تسند ظهرك للشعب ضد مراكز القوى، في وقتها نفى لي أن يكون هناك مراكز قوى. لكننا شهدنا تأثيرها عندما غيّر خطابه في أوائل نيسان وتأخر في إلقائه وجاء بغير ما وُعدنا به كمراقبين عرب من حول سوريا، واختير الحل الأمني في التعامل مع الاحتجاجات بدلاً من الحل الانفتاحي المستوعب للناس كافة بصبر وتودد وإصلاح. أما المعارضة، فمنذ أن تسلحت من الأجنبي وتمولت منه، فهي أصبحت خادماً له، وفي بداية الأزمة لم يكن هناك روسي وإيراني وحزب الله، لكن البادئ في إدخال الأجنبي كان مجلس إسطنبول للمعارضة وهو مجلس برعاية فرنسية تركية أميركية، وكذلك ما سمي مؤتمر (أصدقاء) سوريا، ولم يقرأ المتحركون بهذا الاتجاه التاريخ الحديث ليعلموا أن المؤتمر السوري الأول في القرن الماضي والذي عقد في باريس ضد الحكم العثماني لم يحقق الاستقلال لسوريا، بل الانتداب والاحتلال ومعركة ميسلون ودخول الجنرال غورو دمشق. وكنت قد نصحت الإخوان المسلمين علناً من خلال مقال كتبته في صحيفتهم «السبيل» في نهاية 2011 بعنوان «الإخوان المسلمون: بيضة القبان بين معارضة وطنية ومعارضة مع الناتو»، أن يبقوا على معارضة وطنية وأن لا يتقاطعوا مع المشاريع الاستعمارية المستهدفة سوريا، فوجدت منهم من هو على نفس موقفي، لكن الغالبية الساحقة كانوا منتشين بما بدا من انتصارات لو تحققت لكان نتاجها الاستدارة للقضاء عليهم.

هل ما زلت تميل إلى القطرين في الخصومة الخليجية؟
أنا عجيب، وليس عندي في السياسة أبيض وأسود، فهناك رمادي واسع لأن الملفات السياسية كثيرة وليست ملفاً واحداً، كما هو معروف قطر والسعودية ضالعتان في ما يحدث في سوريا، وأنا أنتقدهما بشدة في ذلك، لكن أنا ضد أن يظلم القطريون بهذه الطريقة، وأنا أعني الشعب، والمشكلة أن من يتناول الموضوع الخليجي يتحدث وكأنه لا يوجد هناك شعب يدفع ثمن خلافات الساسة. متى ندرك أن الشعب أهم من تميم وسلمان وعبد الله الثاني والأسد. على كلٍّ، أرجو أن يكون هناك صحوة، وأنا سمعت أن هناك اتصالات بين القطريين والسوريين لإصلاح العلاقات بعد الحصار الذي تعرضوا له.

هل التخوفات الأردنية من إيران مبررة؟
إيران دولة عريقة ولديها برنامج، وخلافي معهم عندما تغيّر برنامجهم ولم يعد إسلامياً وتحول إلى وطني قومي وهنا أتصادم معه، ولو بقي برنامجاً إسلامياً كمظلة جامعة لكان شيئاً جيداً. أما ما حدث، فإيران دولة أخذت قرارها الذي تغلب عليه القومية والمذهبية وهي كأية دولة قوية تبحث عن مناطق نفوذ، وهي توسع نفوذها بما يزعج جيرانها بشكل كبير، ولكن جيرانها ليس عندهم دولة مركزية برؤية استراتيجة، بل يتصرفون مشرذمين كردّ فعل لا كفعل. أما الفعل، فإن بعضهم، وأعني الخليجيين، يرغبون في تمويل فعل أميركي إسرائيلي ومساندته ضد إيران. والصراع على النفوذ أمر ينطبق أيضاً على تركيا التي هي أيضاً دولة عريقة تاريخياً ومتجذرة في المنطقة وفي دول الاتحاد السوفياتي السابق الناطقة بالتركية، وهي كما إيران من الدول الكبرى في المنطقة تتصرفان وفق مصالحهما وتبحثان عن دوائر نفوذ لهما. أما نحن، فلا مشروع عربياً، ولا دولة تدافع عن عروبتها، خاصة بعد غزو العراق واستهداف سوريا.

بين المشروع التركي والإيراني، ما المشروع الأقرب إلى مصلحة الأردن لو كان لديه خيار عقد تحالف جديد؟
برأيي مع كليهما. إن تحدثنا عن إيران، فسيقولون: "شيعة"، على اعتبار أننا سنّة، وإن من يقود المشروع السني زعماً حالياً ابن سعود، وهي لا تليق به، إذ رماه في أحضان الصهاينة والأميركان. لكن تركيا أيضاً تقود السنّة، ومع ذلك ليس هنالك عداوة بين إيران وتركيا، بل كثير من مجالات التعاون السياسي والتعاون الاقتصادي العميقين، رغم أنهما تتصارعان عسكرياً بالوكالة على الأرض السورية وعلى حساب الشعب العربي السوري. وبذلك هما تتعاملان سياسياً كجارين تتقاطع مصالحهما كثيراً وليس مذهبياً، حيث يتقدم وقتها الصدام غير المجدي على العقل والحكمة. ومع أن كل طرف متمسك بمذهبيته، ولكن لا يعنون معركته بأنها معركة مذهب، بل هي سياسية، وهذا سبب التقارب بينهما مع روسيا. أردنياً، يجب التقارب معهما معاً، فهما ضد التدخل الأميركي الكبير في المنطقة، وتركيا لم تعد خاتماً بإصبع أميركا والناتو، وعند الأتراك برامج تتصادم معنا، ولكن ما يجمعنا أكثر، وكذلك الأمر مع إيران.