«تظهر التطورات الحالية أن مستوى التوتر (بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية) قد بدأ يتراجع»؛ هكذا وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واقع الحال أمس، وهو الذي تلعب بلاده دور الوساطة بين البلدين عقب التهديدات الأميركية بالتحرك عسكرياً ضد سوريا. هذا التراجع في التوتر لا يعني أن واشنطن وحلفاءها قد ألغوا من حساباتهم العمل العسكري، ولكنه قد يشير إلى أنهم يجهدون لتحييد أي اشتباك محتمل مع روسيا، حين تنفيذ خطتهم. ويتقاطع هذا مع المماطلة الأميركية التي تتيح المجال أمام نشاط ديبلوماسي واسع على أعلى المستويات، بين الدول المعنية بهذا الملف. فبعد الاتصالات التي أجراها أردوغان مع كل من نظيريه الروسي والأميركي، شهد أمس اتصالاً لافتاً بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، تضمن التأكيد على ضرورة «تواصل الحوار» بين البلدين لتجنّب التصعيد في سوريا، فيما انفرد بيان «الكرملين» بالقول إن بوتين حثّ على ضرورة دعم «تحقيق شامل وموضوعي» بشأن الهجمات الكيميائية المفترضة، وإن الرئيسين أشادا بزيارة وفد «منظمة حظر الأسلحة الكيميائية» إلى دوما. أما بيان «الإليزيه»، فقد أشار إلى أن ماكرون أعرب عن أسفه للفيتو الروسي الأخير في مجلس الأمن الذي منع «رداً موحداً». وفي وقت متأخر من ليل أمس، أشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، إلى أن الرئيس دونالد ترامب تحدث بدوره هاتفياً مع نظيره الفرنسي، حول الملف السوري، من دون ان تعطي أي تفاصيل إضافية. وكشفت أيضاً أن «مجلس الأمن القومي» سوف يُعقد مجدداً (أمس) على مستوى النواب، وهو ما اعتبره متابعون لشؤون البيت الأبيض دليلاً على أن قرار الضربة العسكرية لن يكون «وشيكاً»، على الرغم من أن لقاء المجلس على مستوى النواب هو مكان «صياغة القرارات»، على حدّ تعبير بعضهم. وجاء ذلك بالتوزاي مع تأكيد وزارة الخارجية خلال مؤتمر صحافي للمتحدثة باسمها، هيذر نورت، أن واشنطن تملك دليلاً على استخدام القوات الحكومية السورية لأسلحة كيميائية في دوما.الاتصالات عبر أنقرة وباريس عكست نوعاً من «الهدنة» بين المعسكرين، الروسي والغربي، ترافق مع إشارات تركية مماثلة تلت زيارة المبعوث الرئاسي الروسي الخاص ألكسندر لافرنتييف لأنقرة ولقائه أردوغان، بعد انتهائه من زيارة مماثلة لطهران. وسلّم أردوغان، على حد قوله، ضيفه الروسي «تسجيل فيديو» حول الهجوم الكيميائي في دوما، من دون أن يوضح طبيعة هذا التسجيل ومحتواه. وفي ضوء هذه التطورات، بدا لافتاً ما قاله مستشار الرئيس التركي، إيلنور سيفيك، خلال حديث إلى قناة «RT» أمس، إذ اعتبر أن الضربة الأميركية المحتملة ستكون محدودة الفاعلية، ومشابهة لما جرى العام الماضي في مطار الشعيرات. وأضاف أن «ترامب يحتاج إلى تحرك لاستهلاكه محلياً... وأعتقد أنه لن يكون هجوماً يؤثر على توازن القوى في سوريا، أو ضد روسيا». ولفت إلى أن «تركيا وروسيا وإيران شركاء في تحقيق السلام في سوريا. وتركيا لا ترغب في أي خطوة قد تفسد هذا الأمر... نحن حلفاء مع الولايات المتحدة، لكننا نملك مصالح مع روسيا».
من جانبها، اتهمت موسكو «أجهزة استخبارات دولية» بفبركة التسجيلات التي انتشرت عن ضحايا الهجوم المفترض في دوما، وعرضت وزارة الدفاع الروسية ما قالت إنه لقاء مع اثنين من الطاقم الطبي لأحد مستشفيات دوما، يوضحان فيه كيف تم استخدام ضحايا أصيبوا جراء غارات جوية في «تمثيل المشاهد التي عرضت على أنها لضحايا هجمات كيميائية». وجاء ذلك فيما وصل خبراء من «منظمة حظر الأسلحة الكيميائية» إلى سوريا، لبدء التحقيق في الهجوم نفسه، وسط توقعات من وزير الخارجية سيرغي لافروف بأن الفريق لن يعثر على أي أدلة تشير إلى استخدام أسلحة كيميائية. ولفت في معرض حديثه إلى أن بلاده تتمنى «ألا تحدث أي مغامرة في سوريا على غرار التجربة الليبية والعراقية». وبالتوازي، وخلال جلسة مجلس الأمن التي عقدت أمس بناءً على طلب روسي، اتهمت المندوبة الأميركية نيكي هيلي القوات الحكومية السورية باستخدام الأسلحة الكيميائية لخمسين مرّة على الأقل، وفق تقديرات بلادها، مؤكدة في الوقت نفسه أن ترامب «لم يتخذ قراراً بعد بشأن إجراء محتمل في سوريا». وبينما أكدت أنه «في وقت ما يجب القيام بشيء ما»، أثنت على «تروّي» الرئيس، واعتبرت أنه يجري تحليلاً لجميع المعلومات ويتخذ إجراءات لتجنّب أي تداعيات غير مرغوب فيها. وبينما رأى المندوب الفرنسي فرانسوا ديلاتر أن على العالم أن يقدم «رداً قوياً وموحداً وحازماً»، قال المندوب الروسي فاسيلي نيبنزيا إن «كل ما يهم (الغرب) هو إسقاط الحكومة السورية»، متسائلاً عن مدى قانونية شنّ ضربات عسكرية ضد سوريا. وحذّر الجانب السوري، من جانبه، من أن «لا خيار» أمامه سوى الدفاع عن نفسه وفق مقتضى القانون الدولي، ولفت المندوب إلى مجلس الأمن بشار الجعفري إلى أن «هذا وعد كل السوريين وليس تهديداً». وتأتي تلك التطورات فيما تتواصل عملية إجلاء المسلحين والمدنيين من مدينة دوما إلى الشمال، وتم أمس تجهيز 63 حافلة لإخراجها بشكل جماعي إلى ريف حلب الشمالي، نحو جرابلس.