دعم فلسطين يكون بلا تحفّظالقرارات الأميركية بلهاء
التقارب المصري السوداني سحابة صيف
«الإخوان» أضرّوا بالإسلاميّين

قبل أيام، وجّهت السلطات السودانية اتهامات عدّة إلى رئيس الوزراء الأسبق والقيادي المعارض الأبرز الصادق المهدي، تشمل «التجسس والإرهاب وتقويض نظام الحكم»، في توجّه يُبرَّر إعلامياً بتواصل الرجل مع الحركات السودانية المسلحة. هذه المقابلة تُعدُّ الأولى منذ توجيه تلك التهم إلى الرجل الذي لا جدال في أنّ له حضوراً على الساحة الإقليمية، قد يوازي حضوره المحلي.

بدايةً، اتهامات كثيرة في السودان موجهة ضدّك، تصل عقوبات بعضها إلى الإعدام والسجن المؤبد، فبماذا تعلّق؟
هذه خامس مرة توجّه فيها اتهامات كهذه (آخرها منتصف عام 2014)، والنظام نفسه يعلم بطلانها. إذا كان ثمّة اتهام مضاد، (فأقول إنّ) النظام الانقلابي خرق دستور البلاد... وإذا كان ثمة اتهام بالإرهاب، فالنظام هو أعلى درجات الإرهاب وقام بممارسات جلبت له إدانة من مجلس الأمن وتحويلاً إلى المحكمة الجنائية الدولية. لا يمكن لجهة بسجل كهذا أن تفكر في توجيه اتهامات ضد غيرها....

نعرف كلّ الفاسدين

«نعلم أين كان كل شخص في السلطة، وأين أصبح. إذا كان من حديث عن محاربة الفساد، فلا بد أن يُحاسب كل الذين جمعوا ثروات على حساب البلاد. كل الفاسدين الآن لديهم جنسيات غير سودانية، وحسابات خارج السودان وعقارات، وكل هذا معروف، وإذا ما اتُّخِذت سياسة لا تشمل هؤلاء جميعاً، فلن نصدق».


منذ نظام النميري أيضاً (في الثمانينيات)، الاتهامات باطلة. وهذه النظم تعلم تماماً أنني أُمثِّلُ الشرعية الشعبية والتاريخية. يريدون مني أن أنصاع إليهم، فيعرضون عليّ عروضاً لا أول لها ولا آخر، منها القديمة، مثل خلافة النظام في عهد النميري، ورئاسة وزراء والمشاركة في السلطة. هم يشترون الناس بالمناصب، لكن وجدوا أننا غير مستعدين لبيع ذمتنا بالمناصب، ولذلك هذه محاولة بائسة لناحية الاتهام بالإرهاب، وهذه مسألة باطلة.

ماذا ستفعل إزاء هذه الاتهامات؟
لن ندافع عن أنفسنا، سوى قانونياً. سنهاجم النظام باعتبار أنّه مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وارتكب مجازر كثيرة في السودان.


في ظل استمرار الاتهام، هل ستظل خارج السودان هذه الفترة؟
عندي خيارات مختلفة... أفضل خياراتي هي القاهرة وعندي خيارات أخرى.

مثل؟
لن أفصح عنها الآن...

لكن، لماذا تشير إلى «خيارات أخرى» هذه المرة؟ هل بقاؤك في القاهرة يواجه مشاكل؟
لا، كان عندي خيارات أخرى في المرة السابقة أيضاً... سأستقر في المكان الذي أعتقد أنه مناسب، والمهم أنني الآن في القاهرة وعندي خيارات أخرى... وسأعود إلى السودان في الوقت الذي أكون فيه قد فرغت من مهماتي الحالية... وعلى أي حال، لكل فعل رد فعل، فإذا تصرفوا ضدنا (في الخرطوم) فنحن أيضاً نستطيع أن نتصرف ضدهم بصورة مماثلة. نحن نُمثِّل القوة الشعبية ذات الشرعية المعروفة في السودان.

في ظل تحسّن العلاقات بين مصر والسودان في هذه الأيام، وخاصة بعد زيارة البشير للقاهرة الشهر الماضي، هل يمكن أن ترفض مصر بقاءك على أراضيها؟
السياسة فيها كل الاحتمالات، ولا يوجد شيء ثابت، وأعتقد أن المحور الأساسي في العلاقة بين الحكومتين المصرية والسودانية هو أنّ «الإخوان المسلمون» في مصر مصنفون إرهابيين، وفي السودان هم مشاركون في السلطة، والنظام نفسه يعتبر الحركة الإخوانية حاضنة له. هذا رأيي ببساطة شديدة، ولكل حادث حديث.

ألم تتصل بك السلطات في مصر للقول إنّ بقاءك في القاهرة يُمثِّل إحراجاً لها؟
لا! أصلاً، لا يوجد بيننا اتصال، ولم يتصلوا الآن، ولكن كل شيء ممكن، ولن أستبق الأحداث. إلا أنّ العقلاء في مصر يعلمون أننا نُمثّل الوزن الشعبي الأكبر في السودان، وإذا أرادوا لسبب ما أن يبيعوا هذا الموقف لمصلحة التعاون مع الحكومة (حكومة عمر البشير)، فعليهم أن يعلموا أنّها قامت على انقلاب إخواني، ويجب أن تعرف مصر موقفها من الحركات المسلحة المعارضة بالسودان لأنه سيكون لها رؤية ورأي في مستقبل السودان. دول الجوار أدركت ذلك وتتواصل مع الحركات (المعارضة)، وعلى مصر أن تعي ذلك، وخصوصاً أنّ هذه الحركات غير مصنفة إرهابية، ولديها اتصالات مع منطمات إقليمية ودولية، كالاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.

البشير أعاد صلاح قوش ليواجه به خصومه الرافضين لإعادة انتخابه



وما تعليقك على التقارب الكبير الذي بدأ يحدث بين مصر والسودان؟
هذه ليست المرة الأولى، وما لم تُحل القضايا التناقضية الأساسية بين البلدين، فهذا كله سيكون سحابة صيف.

على الصعيد السوداني الداخلي، ما هي قراءتك الشخصية لعودة صلاح قوش مديراً لجهاز الأمن في الخرطوم؟
تقديري أنه بعد إعفاء قوش (عام 2009) واتهامه، أعاده البشير ليواجه به خصومه الرافضين لإعادة انتخابه، وهو وافق على إطلاق يده لمعاقبة الذين تآمروا ضده داخل جهاز الأمن. هذا تحالف (قائم) على تصفية حسابات متبادلة، فيما يأتى التصدي للمعارضين كهدف آخر وعلى النمط القديم نفسه.

ما تعليقك عما يتردد بأنّ البشير يجهز المسرح الآن لولاية جديدة في انتخابات 2020؟
في رأيي، كلّها أخطاء جسيمة جداً، وهذه محاولات ضارة بالسودان.

على المستوى الإقليمي، ما تعليقك على الأوضاع الأخيرة في فلسطين؟
نحن نُحيي الشعب الفلسطيني والموقف الذي اتخذه في جمعة العودة، الأولى والثانية، ونترحم على شهدائنا، وأقول للأمة العربية في اجتماع الرياض المرتقب (القمة العربية)، إنّهم يجب أن يدعموا الموقف الفلسطيني من دون تحفظ، وأن يقولوا لا يوجد أي حديث مع إسرائيل ما لم تردّ الحقوق الفلسطينية لأهلها... يجب الالتزام بكل ما يمكن عمله لدعم الموقف الفلسطيني لأنّ هذا ما يليق بنا، ليس فقط لأن فلسطين في قلب الأمة العربية والإسلامية، ولكن كذلك لموقف إنساني يوجب أن نخاطب كل العالم لردّ الحقوق المسلوبة لشعب فلسطين.

وماذا تقول في القرارات الأميركية الأخيرة بشأن ما يحدث في فلسطين؟
هي قرارات خاطئة بلهاء، ولا تخدم أي حديث عن صفقة القرن. بالعكس، هي ستؤدي إلى عزلة أميركا، وهي للأسف الآن عزلت نفسها في موضوع حلف شمالي الأطلسي وموضوع الاتفاق النووي (مع إيران) والتجارة العالمية والمحيط الهادئ. عزلت نفسها في كل القضايا الأساسية التي كان من المفروض أن تلعب فيها دوراً عقلانياً بحجمها وبما يُتوقع منها... أميركا بقيادة ترامب عزلت نفسها، وبالتالي رفعت من شأن روسيا والصين والاتحاد الأوروبي... حتى بخصوص (لقاء ترامب مع) رئيس كوريا الشمالية، فإنّ موقف كوريا لم يتغير. واشنطن ترى أنّه تغير، لكنه لم يتغير، فالرجل يقول إنّه مستعد لأن يتخلى عن الأسلحة النووية إذا كان هناك إخلاء للمنطقة كلها من الأسلحة النووية... هو يقول أنا لم أنتج الأسلحة النووية إلا لأنقذ بلادي من الابتزاز النووي، فإذا كنتم تريدون إنقاذ المنطقة كلها من الأسلحة النووية فأنا مستعد.

يجب الالتزام بكل ما يمكن عمله لدعم الموقف الفلسطيني



لنعد إلى «الإخوان». هل ترى إمكانية ولادة أخرى لهم في ظل الأوضاع الراهنة؟
عندنا علاقة بالإخوان في الملف الإسلامي، ونقول إنّهم أضروا بهذا الملف ضرراً بالغاً. التجربة السودانية نتائجها سيئة جداً، وكذلك التجربة المصرية، وهناك تجارب إسلامية أخرى بالمنطقة مثل «طالبان»، ولذلك نقول إنّ من الضروري جداً إجراء المراجعة وأن تكون أساسية.

ما هي محددات هذه المراجعة في نظرك؟
مثلاً بعد الذي حدث في مصر، هناك تيار إخواني عقلاني يريد مراجعةً ولا يريد محاربة الدولة، فيما أعلن آخر أنه لا بد من الانتقام بحرب (مع) الدولة....
في رأيي، هناك خطان أساسيان: الخط القطبي (نسبة إلى سيد قطب) والخط الهضيبي (نسبة إلى حسن الهضيبي، المرشد الثاني للإخوان). الهضيبي يسير على أساس «دعاة لا قضاة»، والقطبي يسير على أساس الحاكمية باعتباره الهدف السياسي الأول وإمكانية أنهم هم الذين يتحدثون باسم الله، وكل ذلك يحتاج إلى مراجعة.
لديّ كلام مؤسس في ما ينبغي أن يفعله الإخوان: في تركيا مثلاً، أربكان كان عنده خط، وحزب العدالة والتنمية غيّر الخط، في تونس والمغرب وأندونيسيا حدثت مراجعات. أتحدث عن ضرورة إجراء مراجعات في قبول الآخر، والتعددية، والنهج السلمي في السلطة، وعدم تحقيق الأهداف بالقوة...
أعتقد أن هناك دوراً يجب أن تقوم به الحركات الإخوانية لتتخلى عن أشياء كثيرة كالانقلابية والتمكين وعزل الآخر والموقف السلبي من المواطنة وغيرها، فكلها أشياء تحتاج إلى أن يحدث فيها كلام أساسي مقنع، وليس تكتيكياً.

محور أخير: ما تعليقك على الفشل الأخير في الاتفاق حول «سد النهضة» الإثيوبي؟
يجب على السودان القيام بدور إيجابي، لأننا جار للدولتين (مصر وإثيوبيا)، ويجب أن نلعب دوراً لا انحياز فيه... وليس من المعقول أن يذهب البشير إلى إثيوبيا ويقول نحن عندنا علاقة استراتيجية مع أديس أبابا.... موقف السودان يجب أن يكون ساعياً إلى الوفاق بين الطرفين، دون انحياز.



«نداء السودان»... ورئاسته
في شهر أيار/مايو 2014، اعتقل جهاز الأمن السوداني زعيم «حزب الأمة القومي» الصادق المهدي، عقب انتقاده ممارسات «قوات الدعم السريع»، وهي قوات شبه عسكرية تُقاتل إلى جانب الحكومة في إقليم دارفور غربي البلاد، ووُجِّهت له اتهامات بالخيانة.
عقب إطلاق السراح بعد نحو شهر من الاعتقال، غادر المهدي السودان، واستقر في القاهرة لمدة 30 شهراً. وخلال وجوده في الخارج، دخل في تحالف «نداء السودان» المعارض الذي يضمّ حركات مسلحة (مثل حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان)، تُقاتل حكومة البشير في إقليم دارفور المضطرب، ويضمّ أيضاً «الحركة الشعبية» التي تُقاتل النظام في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ عام 2011.
إلا أنّ الاجتماع الأخير لهذا التحالف في 17 آذار/مارس الماضي، انعقد من دون مشاركة رئيس «الحركة الشعبية» عبد العزيز الحلو، الذي يُعدُّ ركناً أساسياً ومهماً، فيما حضر خصماه في الحركة ياسر عرمان ومالك عقار، ما طرح عدداً من التساؤلات. أثناء اللقاء، سألت «الأخبار» المهدي عن «الفائدة» في أن يذهب ويجتمع مع الحركات المسلحة، من دون أن يكون الحلو مشاركاً، فأجاب بأنّ الأخير «أحد المكونات لنداء السودان»، لكنه استدرك قائلاً: «إذا كان للحلو هدف سياسي، فلا بد أن يتعامل مع الآخرين الذين لديهم نفس الهدف، وإذا كان يريد الانفراد وحده، ففي رأيي هذه خطة ننصحه بأن يعدل عنها». ويعتبر المهدي أنّه «لا يوجد أحد الآن بين القوى السياسية يستطيع أن ينفرد بالموقف السياسي، وأي إنسان عاقل يجب أن يتخذ موقفاً موحداً مع الآخرين، وفي الاجتماع الذي حدث في باريس (17 آذار/مارس)، قبلت الأطراف المختلفة بذلك»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّه من ضمن الأمور التي تحفّظَ عليها تأتي مسألة قبوله برئاسة «نداء السودان». يشرح أنّه رفضها «لأننا غير كاملين، ويجب أن ننتظر حتى يكتمل العدد، ولكنهم أصروا بالإجماع وضغطوا عليّ بأنهم يريدون (شخصاً بإمكانه أن يخاطب)، بمعنى لو أراد (ممثل الاتحاد الأفريقي) ثابو مبيكي أن يخاطب نداء السودان، فمن سيخاطب؟ لذلك هم اختاروني بالإجماع».