تونس | لا تخلو جامعة تونسيّة هذه الأيام من مظاهر الحملات الانتخابيّة. الملصقات التي تحمل صور المرشحين على الجدران، والأغاني ذات الخلفيات والدلالات المختلفة ترتفع أصواتها في ساحات الكليات والمعاهد العليا استعداداً لانتخابات ممثلي الطلبة في المجالس العلميّة، والتي تدور اليوم الخميس وسط تنافس حاد مرتقب بين الاتحادين (الإسلاميّ واليساريّ)، الأكبر في البلاد.
رغم تعدّد المحطات الانتخابية في تونس بعد الثورة، من الانتخابات النيابيّة والانتخابات الرئاسية والانتخابات البلدية المرتقبة في 6 أيار/ماي المقبل، إلى الانتخابات القطاعيّة ضمن «الاتحاد العام التونسيّ للشغل» و«عماد المحامين» والمنظمات المهنيّة الأخرى التي تشهد بدورها انقساماً عاماً بين من يمكن تصنفيهم تجاوزاً «الإسلاميّين والعلمانيّين»، فإنّ انتخابات «المجالس العلمية» تُحافظ على نوع الخصوصيّة والجاذبيّة. ولعلّ الميزة الأبرز للانتخابات الطلابيّة هي في كونها أولى تجارب الممارسة الديموقراطية ضمن إطار مؤسساتي، جمهوره وفاعلوه من الشباب الذي تشير الأرقام إلى عزوفه عن المشاركة في بقيّة المحافل الانتخابيّة.
ويُمثِّلُ «المجلس العلمي» سلطة تشاركيّة، مكوّنة من عميد الكلية ونائبه، إضافة إلى جملة من الأساتذة المنتخبين عن أقسامهم، وثلاثة ممثلين عن الطلبة. يتخذ هذا المجلس القرارات التي تُسيّر الشؤون العلميّة والإدارية داخل أسوار الجامعة، في ما يُمكنُ وصفه بأنّه إحدى صِيَغ التعددية في «تونس الحالمة» بعد الثورة. ورغم أنّ دور ممثلي الطلبة داخل المجلس يقتصر على الاقتراح والاستشارة، ولكن يبقى للتنافس الانتخابيّ، الذي يتّسم بحدّية قد تصل إلى حدود تبادل العنف بين الحين والآخر، رمزيته، خاصة لناحية دوره في تقييم حضور القوى السياسيّة في صفوف «نخبة المستقبل».
وتعمل على الساحة الطلابيّة التونسيّة ثلاث منظمات: «الاتحاد العام لطلبة تونس»، أعرق التنظيمات، ويضمُّ شباب اليسار والقوميّين، و«الاتحاد العام التونسي للطلبة» العائد إلى النشاط بعد حظره في فترة بن علي لارتباطه بالإسلاميّين، و«صوت الطالب التونسي» وهي منظمة جديدة لها تأثير محدود، علاوة على المستقلين. وقد عُقِدت انتخابات «المجالس العلمية» للمرة الأولى عام 1971، وذلك بعدما كان «الاتحاد العام لطلبة تونس» الذي تأسّس عام 1952 ولعب دور الذراع الطلابيّة للحركة الوطنيّة، الممثّل الحصريّ للطلبة داخل الهياكل المسيّرة للجامعة.
لم تكن الغاية من تلك الانتخابات الأولى تكريس العمل الديموقراطي، إذ إنّ تحوّل «الاتحاد» إلى مركز قوّة لليسار، دفع نظام بورقيبة إلى فرض الانتخابات ليتمكن طلبة «الحزب الاشتراكيّ الدستوريّ» (الحاكم حينها)، من المنافسة. كان ذلك زمن الحزب الواحد، وبما أنّ الجامعة ظلّت الفضاء الوحيد المتوافر على حريّة نسبيّة للنشاط، فقد كانت الانتخابات أشبه بـ«محرار» لتقييم الشعبيّة.

حدثٌ بمعايير الماضي؟

بعد غياب طلبة «حزب التجمّع» الحاكم وسقوط نظام بن علي، عاد الصراع الطلابيّ إلى ما يُشبه ما كان عليه في سنوات الثمانينيات: بين اليساريين والإسلاميّين. ولا تزال آثار معارك ذلك الجيل الجامعيّ حاضرة في البلاد؛ فجلّ السياسيّين البارزين اليوم، سواء من «حركة النهضة»، أو من «الجبهة الشعبيّة»، التكتل المعارض اليساريّ الأكبر في البلاد، انتموا سابقاً إلى أحد الاتحادين الطلابيّين الرئيسيّين.

تحملُ قائمةٌ للاتحاد اليساري اسم: القدس عاصمة أبدية لفلسطين

لهذه الأسباب التاريخيّة والسياسيّة لا تمثّل انتخابات «المجالس العلمية» حدثاً مهماً على المستوى الجامعي الطلابي فحسب، بل أيضاً على المستوى الوطني. فنتائج الانتخابات تعكس في غالب الأحيان الخطوط العامة لتوجهات الطلبة، فيما إمكانية تأثير كلّ توجه نقابيّ على المشهد السياسي غير خافية. حتى أسماء القوائم لها دلالات سياسية مباشرة، حيث تحمل القائمة الممثلة لـ«الاتحاد العام لطلبة تونس» في «كليّة العلوم الانسانيّة والاجتماعيّة»، المحسوبة تاريخيّاً على اليسار، اسم «القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين التاريخيّة».
ولشرح رمزية هذا الاسم ومغزاه، تقول المرشحة خلود طرابلسي، في حديث إلى «الأخبار»: «نحن في الاتحاد العام لطلبة تونس لا ننفي عن أنفسنا صفة التسيّس، فكما يعلم الجميع لا يمكن فصل السياسة عن العمل النقابيّ». وتضيف: «نحن ندافع عن الجامعة العموميّة وقيمة الشهادة العلميّة، ونعتبر أن سلطة الإشراف التي صادقت على منوال جديد للتعليم العالي نرفضه بشدة، هي نفسها من ماطل في تمرير قانون تجريم التطبيع، ونحن بهذا الاسم نساند ولو رمزياً حق الشعب الفلسطينيّ والقضيّة الفلسطينيّة عموماً، وهذه من مبادئنا التي لا تقبل القسمة».
على عكس الاتحاد اليساريّ المهيمن في كليّات العلوم الانسانيّة، غالباً ما يفوز «الاتحاد العام التونسي للطلبة»، الذي يغلب على عناصره التوجه الإسلاميّ، في الكليات «العلميّة». وفي هذا الصدد، يكتفي المرشح زياد خضراوي، في «كليّة العلوم» في العاصمة التي تُعدُّ أحد أهم المعاقل التاريخيّة لمنظمته، بالقول في حديث إلى «الأخبار» إنّ قائمته «لا تحمل أيّ اسم، إذ هي مجرّد قائمة تعمل من أجل مصلحة الطالب وفي سبيل تحسين ظروف البحث للباحثين الشبان»، متجنّباً بذلك تناول مسألة تسميات القوائم.