عمان ــ الأخبارما إن رشحت الأخبار عن انقطاع الاتصال برجل الأعمال «المتعدد الجنسيات» صبيح المصري، بعيد وصوله إلى الأراضي السعودية، حتى تأججت «المشاعر الوطنية» لدى طيف واسع في الأردن، خوفاً من تكرار سيناريو «ريتز كاريلتون» الذي بات يشكّل «مثلث برمودا» يبتلع رجال أعمال برتبة بليونير فما فوق، والقاسم المشترك بينهم استثماراتهم الضخمة... وحملهم الجنسية السعودية.

صبيح المصري، الثمانيني ذو الأصول الفلسطينية، يرأس مجلس إدارة أهم استثمار مصرفي في الأردن، وهو البنك العربي، وقد غادر إلى السعودية في رحلة عمل قبيل انعقاد القمة الإسلامية في تركيا الأربعاء الماضي، ثم انقطع الاتصال به بعدما طلب إلغاء عشاء كان مقرراً في عمان ذلك اليوم، أي إلى ما بعد عودته «الطبيعية» من الرياض، كما أخبر مقربين منه.
الجانب الرسمي الأردني، الذي يتوخى الحذر في جميع تصريحاته، نفى بداية أن يكون المصري موقوفاً في السعودية، لكن خبر احتجازه عبر وكالات الأنباء العالمية لم يدع مجالاً للشك، وخصوصاً أن الرجل لم يكن قد ظهر حتى ذلك الوقت، ثم ما لبثت أن انتشرت أخبار الإفراج عنه من جديد مع تأكيدات من مصادر سعودية وأردنية عدة لذلك، وكان أبرزها على لسان رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري، وهو ابن شقيق صبيح.

اغتالت «الجبهة الشعبية» شقيق
صبيح لما عيّنته
إسرائيل رئيس بلدية


وفي وقت لاحق من ظهر أول من أمس، أجرت محطة إذاعية أردنية اتصالاً هاتفياً سريعاً لم يتعدّ 17 ثانية مع المصري الذي أكد أنه بخير وأنه غير موقوف أو ممنوع من السفر، موضحاً أنه يقيم في بيته في الرياض بمحض إرادته، وذلك بصوت تحيطه ضجة من حوله مع تكراره كلمة «أبداً» للنفي مرات عدة.
التخوفات في الشارع المحلي من احتجاز المصري ارتبطت جلّها بالبنك العربي، وهي تخوفات مفهومة بما أن هذا البنك مؤسسة ضخمة توفر فرص عمل لآلاف الأردنيين، عدا امتلاك مؤسسة الضمان الاجتماعي حصة فيه، أي أن الأمر يتعلق مباشرة بتقاعد أكثر من مليون مشترك، ما يعني أنه يمثل لمواطني المملكة «استثماراً وطنياً» يستدعي الاهتمام الكبير به، وفي النتيجة بصاحبه.
الحدث الأخير أعاد إلى الأذهان ما سمي «أردنة» البنك العربي بعد صفقة بيعت فيها حصص عائلة الحريري في البنك، بعدما كان لقطر اهتمام بشرائها بداية العام الجاري، لكن هذه الأسهم التي كانت تقدر بـ 20% من مجموع أسهم بنك عالمي بثقل «العربي» آلت في نهاية الأمر إلى مستثمرين أردنيين، على رأسهم الملياردير صبيح الذي ترأس مجلس الإدارة منذ عام 2012 بعد استقالة عبد الحميد شومان الحفيد، وينوب عنه باسم عوض الله الذي شغل مناصب سياسية حساسة في النظام؛ منها رئيس الديوان الملكي، ومدير مكتب الملك عبدالله الثاني، وأيضاً وزير التخطيط والتعاون الدولي.
كذلك، يظهر أعضاء آخرون من العيار الثقيل في مجلس الإدارة؛ منهم نازك الحريري، أرملة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. أما عن الحضور السعودي في البنك، فيتمثل بصالح بن سعد المهنا ممثلاً عن المالية السعودية.
مع ذلك، يتجاوز تاريخ المصري الاقتصادي موضوع البنك العربي، فلديه استثمارات داخلية وخارجية تفوق حصصه في البنك. وبمراجعة دائرة مراقبات الشركات الأردنية، يمكن بسهولة الاطلاع على القطاعات التي استثمر فيها شخصياً أو عبر أبنائه، وذلك في شركات تعمل في الزراعة والأسمدة والفندقة والاستشارات المهنية والعقارية والصناعات التعدينية والمقاولات وحتى استثمارات في القطاع الطبي، مع ملاحظة أن جنسيته تظهر مرة أردنية، وفي أخرى سعودية.
ثروة طائلة جناها المصري وأسس بها إمبراطورية تقوم على العلاقات العامة والارتباطات بطبقة معينة وتجارة الحروب، كيف لا وقد كانت إحدى شركاته مسؤولة عن التموين للجيش الأميركي أثناء غزو العراق عام 1991، ومن بعد ذلك بسنوات وبالشراكة مع آخرين، حظيت شركته بعقود التموين للجيش الأميركي في العراق والكويت والأردن عام 2010.
وصبيح، الذي ينحدر من عائلة فلسطينية اشتغلت في التجارة، هو ابن عم رجل الأعمال الفلسطيني الشهير منيب المصري، كما أن شقيق صبيح الأصغر، ظافر، كانت قد عيّنته سلطات العدو الإسرائيلي رئيساً لبلدية نابلس عام 1986 خلفاً لسلفه الإسرائيلي (قبل مجيء السلطة إلى فلسطين)، لكنه اغتيل بعد توليه منصبه بشهرين على يد أحد أفراد «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». وحظي ظافر بعد ذلك بتكريم من الرئيسين ياسر عرفات ومحمود عباس بصفته شهيداً.
وخلال الأيام الماضية، تعالت أصوات كثيرة في المملكة بحديث عن أن عملية احتجاز المصري لدى السعودية تجيء في سياق ضغوط على النظام الأردني لتمرير «صفقة القرن»، ولكن ذلك غير منطقي، فالمتأمل في السيرة الذاتية لصبيح يرى أن ما يحدث أقرب إلى تصفية حسابات مالية متصلة بالحملة المزعومة على الفساد التي يقودها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في عالم من رجال الأعمال، الذي ينمو ويتلاشى بالتوازي مع عالم آخر لا يُعرف عنه شيء.