القاهرة | حتى الآن، تميل الكفة داخل جماعة «الإخوان المسلمين» إلى التعاطي مع دعوات حلّ الجماعة على أنها مجرّد فقاعة إعلامية. الدعوة التي أطلقها قياديون محسوبون على «الإخوان» من مقارّ إقامتهم خارج مصر، وفي مقدمتهم جمال عبد الستار، جاءت نتيجة جدل داخل الجماعة استمر شهوراً، قبل أن يخرج إلى العلن، ويجري ترويجها من أحد كوادر «الإخوان» في بريطانيا، أشرف عبد الغفار.التفكير في حلّ الجماعة بدأ مع اتساع رقعة المواجهات الأمنية، وازدياد الاعتقالات بحقّ أفرادها وإحالتهم على المحاكمات الجنائية والعسكرية، وصولاً إلى تصفية كوادر الجماعة، التي كان آخرها تصفية قوات الأمن 13 من قياداتها في أحد الشقق السكنية في منطقة 6 أكتوبر، خلال اجتماع تنظيمي لرعاية أسر الشهداء والمعتقلين، وفق الرواية الإخوانية.

الدعوة، أيضاً، جاءت في خضم انشغال التنظيم بتوفير الدعم المادي لأسر الشهداء والمعتقلين في المكاتب الإدارية والمناطق وفق التقسيمات الإدارية للجماعة المصرية. هذه الأسر تعاني وضعاً اقتصادياً صعباً جداً، على حدّ تعبير أحد كوادر «الإخوان» خارج مصر، خصوصاً مع توسع الحكومة في فصل المحسوبين على «الإخوان» من وظائفهم، والتضييق عليهم في مؤسساتهم التجارية والاقتصادية، وإدراج هذه المؤسسات في لجنة «حصر وإدارة أموال الإخوان» التي تشرف عليها لجنة قضائية، لذا فإن أحد أسباب الحل هو توفير الدعم المادي الموجه للفعاليات والنشاطات الاحتجاجية لأسر «الإخوان».
قد تكون هذه الدعوات
مجرد ورقة ضغط
تفاوضيّة مع النظام

أما أسباب الدعوة إلى حلّ الجماعة فجاءت لتلافي الاستهداف والقتل على أساس «الهوية الإخوانية»، وفي حال الوصول إلى خطوة حلّ التنظيم، فإن لدى «الإخوان» وجهة نظر مفادها أن الأمن سيتوقف عن استهدافهم، كذلك فإن الأهم لدى الجماعة هو نفي صفة الإخوانية عن «الثورة» التي تعني بها التظاهرات والفعاليات الاحتجاجية التي تخوضها ضد النظام في مصر، وجعلها حراكاً شعبياً غير مؤدلجاً. كذلك، فإن الجماعة، في صراعها مع قوات الأمن، تلقت ضربات عنيفة، كان أحد أسبابها أن الأمن بخبراته الطويلة في التعامل مع الجماعة أدرك طبائعها وطرق تفكيرها، حتى بات يتوقع ردود أفعالها.
وفي حالة حلّ الجماعة، فإن عدم وجود «رأس» واضح يقودها سيصعّب على الأمن التعامل معها وتوقع سيناريواتها، لعدم وجود رابطة اتصالية بين الجماعة وكوادرها.
وفي موازاة دعوات حلّ الجماعة، تتصاعد داخل التنظيم الدعوة إلى تسليح حراكه الاحتجاجي، ردّاً على الضربات الأمنية التي تلقاها والتوسع في تصفية أفراده من خارج الإطار القانوني، وهو ما تعزز بعد تولي الوزير مجدي عبد الغفار مقاليد الأمور داخل وزارة الداخلية.
ورغم دعوة الجماعة في بياناتها السابقة إلى «ثورة تجتزّ الرؤوس» وتأييدها ضمنياً «العمليات النوعية» التي تستهدف بعض منتسبي قوات الأمن والأجهزة القضائية، ممن تعتبرهم خصوماً لها، تخشى «الإخوان» من تحوّلها مع الوقت إلى جماعة مسلّحة، وهو أحد أسباب الخلاف الذي نشب قبل مدة بين قياداتها خوفاً من تحوّلهم إلى واحدة من جماعات العنف.
العناوين الرسمية للجماعة تحدثت علناً عن رفض دعوات حلّها، وفي مقدمتهم المتحدث باسم حزب «الحرية والعدالة» أحمد رامي، الذي استبعد نجاح هذه الدعوات التي جاءت بالتوازي مع دعوات التسليح، كذلك نفاها وزير الاستثمار في حكومة هشام قنديل، يحيى حامد، وأحد قيادات «الإخوان» التي خرجت من مصر عقب عزل محمد مرسي، قبل أن يتنقل بين قطر وتركيا مسؤولاً عن لجنة «العلاقات الدولية» في مكتب «الإخوان المسلمين» المصريين في الخارج، الذي تم تشكيله قبل أشهر في ذروة الصدام بين جناحي الجماعة.
وفي مقابل الدعوات المطالبة بحلّ التنظيم، يدعو رافضو الحلّ إلى إعادة صياغة مناهج وأفكار «الإخوان» مرة أخرى بما يناسب المرحلة الحالية، وإعطاء الفرصة لمن يختلف مع الجماعة في تركها، بدلاً من هدم «المؤسسات الإخوانية» التربوية والاجتماعية والاقتصادية التي بنتها الجماعة وأدارتها خلال العقود الماضية، وفق اقتناعات مسيطرة على قياداتها بأنهم يقومون بدور كبير في مواجهة «المخططات الاستعمارية» والمؤامرات التي تواجه «العالم الإسلامي».
في المحصلة، معروفٌ أن الفكر الإخواني يقدّس «التنظيم» إلى درجة مبالغ فيها، بخلاف الخطاب المعلن، ومفاده أن «التنظيم مجرد وسيلة وليس هدفاً». إذ إن التعامل الواقعي مع التنظيم باعتباره غاية لن يقدم على حل التنظيم مهما كانت المبررات. هذا يعني أن هذه الدعوات قد تكون مجرد ورقة ضغط تفاوضية ستروّج لها بعض الأطراف الاقليمية لتسويق المبادرة وإعادة صياغتها بما يضمن تسويقها تحت عنوان تراجع الجماعة، من أجل الضغط على النظام وثنيه عن المواجهة معها، باعتبار أن حلّ «الإخوان» مكسبٌ له.