اختتمت القمة الخليجية السابعة والثلاثون أعمالها أمس، في العاصمة البحرينية المنامة، حيث عُقدت على مدار يومين. تلا بيان القمة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني.
لكنّ «بيان الصخير» ــ كما أطلق عليه نسبة إلى قصر الصخير البحريني ــ لم يحمل أي جديد عمّا سبقه من بيانات القمم الخليجية، بل استنسخ توصيات ومواقف سياسية وردت في بيان «قمة الرياض» العام الماضي، من قبيل «العمل على تطوير المنظومة الأمنية والدفاعية»، ودعوة إيران إلى «وقف تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول الخليج وتغيير سياستها في المنطقة والتزام قواعد القانون الدولي»، من دون إغفال البند الاعتيادي المتمثل في دعوة طهران إلى «إنهاء احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث».
في الأيام القليلة التي سبقت القمة، ضخّ الإعلام السعودي كمّاً هائلاً من المقالات في صحفه والتقارير المرئية في فضائياته وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي، للتسويق أنّ القمة ستتناول مشروع «الاتحاد الخليجي»، بل إعلانه. لكن، غاب ذكر المشروع من بنود مقررات القمة، ولم يُؤتَ على ذكره من قريب أو بعيد، حتى مجاملةً، واكتفى البيان بتأكيد «ربط دول المجلس بشبكة المواصلات والنقل ودعم الشباب في تطوير المعلومات والتطوير المعرفي».
أيضاً، في «قمة الرياض» قبل سنة، فرض الملك سلمان تأسيس «هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية في دول مجلس التعاون»، التي عقدت أول اجتماعاتها في العاشر من تشرين الثاني الماضي في الرياض. آنذاك، أعلن ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بكل ثقة، أن «دول الخليج يمكن أن تصبح سادس اقتصاد عالمي، وأننا في عصر تشوبه الكثير من التقلبات الاقتصادية في العالم، مما نحتاج إلى أن نتكتل في عصر التكتلات، ونريد من خلال هذا الاجتماع أن ننطلق بهذه الهيئة نحو تحقيق الأهداف المرجوة لقادة دول مجلس التعاون».
رغبة الرياض في التحوّل إلى حالة «الاتحاد» بعد «التعاون» من باب الاقتصاد لم تكن كافية؛ فبعد الاجتماع الاقتصادي المذكور بخمسة أيام، ترأس ابن سلمان أيضاً ــ بصفته وزيراً للدفاع ــ اجتماع وزراء دفاع مجلس التعاون الدوري الـ15 في الرياض. عاد «الشاب» وحذّر نظراءه الخليجيين من الأخطار التي تواجههم جميعاً، ما يحتّم الاتحاد في ما بينهم، مشيراً إلى أن «المجال العسكري والدفاعي يعدّ من أهم المجالات، خصوصاً في ظل التحديات التي نواجهها اليوم». لكن، لم تفلح حالة الترغيب من البوابة الاقتصادية، والتخويف من البوابة العسكرية والأمنية، في جعل الخليجيين يقبلون المضيّ قدماً مع رغبات السعودية.

الرياض تريد أن تلوذ بجيرانها الأقل تضرراً اقتصادياً

ومن المهم الإشارة إلى أن وثائق الخارجية السعودية، التي نشرتها «ويكيليكس» صيف العام الماضي، احتوت على عينة من الجدل الذي انتشر في الأروقة الدبلوماسية الخليجية، عقب دعوة الملك السعودي السابق عبدالله، في قمة الرياض 2011، إلى «الاتحاد الخليجي». ووفق ما يظهر من البرقيات المسرّبة، كان وزير الخارجية السابق سعود الفيصل يستمزج آراء سفرائه في العواصم الخليجية حول مشروع الاتحاد الذي أراده عبدالله على غرار الاتحاد الأوروبي!
تظهر برقية سفير الرياض في أبو ظبي الموقف الإماراتي من مشروع الاتحاد؛ فبعد عرض عوامل رفض المشروع والتناقضات فيه، يختم برقيته بالتساؤل الآتي: «كيف ينجح الاتحاد الخليجي إذا كان الاتحاد الإماراتي لا يزال يعاني الأمور الذي سبق ذكرها؟».
وفي شباط 2012، يرسل سفير الرياض في الكويت برقية إلى الفيصل يخبره فيها بما صرّح به رئيس مجلس الأمة الكويتي آنذاك، أحمد السعدون، تعليقاً على مشروع «الاتحاد»، الذي قال فيه ما نصّه: «... نخادع أنفسنا إذا قلنا إنه يمكن أن نصل إلى ذلك (الاتحاد)، فكيف أن يكون اتحاد بين دول تتمتع بقدر من التمثيل الشعبي وحقوق الناس ودول تكتظ سجونها بالآلاف من سجناء الرأي».
أما النائب الكويتي السابق ومؤسس «الحركة الوطنية الكويتية» أحمد الخطيب، فكتب مقالة، في السادس عشر من أيار ذلك العام، بعنوان: «إلى قادة الخليج... مشروع الاتحاد فاشل»، شرح فيها الأسباب التي تجعل مشروع «الاتحاد» فاشلاً من كل الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما أشار إليها سفير الرياض في الكويت أيضاً ضمن إحدى برقياته.
قبل خمس سنوات، عند طرح الملك عبدالله المشروع، كانت قوات «درع الجزيرة» تقتحم شوارع البحرين لقمع الثورة الشعبية، وكان التغيير قد حدث في كل من مصر وتونس. لذا، استغل السعوديون الأحداث والانتفاضات في العالم العربي في تخويف جيرانهم الخليجيين من وصول هذا السيناريو إلى دولهم، فيسارعون إلى قبول فكرة «الاتحاد». أما اليوم، مع تبدّل الوضع في سوريا وتبدّد فرص أي نجاح خليجي في إسقاط النظام، وأيضاً نجاح العراق في حربه على تنظيم «داعش»، مضافاً إليهما الفشل السعودي في اليمن، فربما ظن السعوديون أن الظروف مؤاتية لإعادة طرح المشروع.
أيضاً، أرادت الرياض استثمار الموقف الرسمي الخليجي الذي ساندها عقب إقرار قانون «جاستا» في الولايات المتحدة، في عملية تخويف جيرانها من مقاربة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، والجمهوريين في الكونغرس، للعلاقة مع الخليج، رغم أن الأزمة الاقتصادية الناتجة من استمرار انخفاض أسعار النفط طاولت كل دول الخليج، علماً بأن الاقتصاد السعودي ــ الأكبر في مجلس التعاون ــ الأكثر تضرراً.
من هنا، يمكن فهم الأسباب التي تجعل الرياض تلوذ بجيرانها لتغطية عجزها، عبر الاستفادة من إيرادات دول كالإمارات والكويت، كانت الأقل تضرراً اقتصادياً مقارنة بها. ولعل من أبرز مظاهر التناقض في قمة المنامة أنها استضافت رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، التي تستعد للخروج من الاتحاد الأوروبي، كي تتحدث إلى الشعوب الخليجية.
وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الشعوب تتوقع كلاماً عن «الاتحاد» من ماي، صرّحت الأخيرة بما يطرب مسامع الحكّام لا الشعوب، فقالت إن «إيران تشكل خطراً واضحاً على منطقة الخليج، ولا بد من التصدي لها عن طريق بذل جهود مشتركة». كذلك رأت أن «التعاون بين لندن ودول الخليج سيشهد نقلة نوعية في المجالات شتى، وفي الدرجة الأولى في مجال الدفاع ومكافحة الإرهاب». حضور ماي يُنظر إليه حالياً من باب التعويض عن فراغ أحدثته المواقف الأميركية خلال العام الجاري. من يدري، لعل لندن تظنّ أن فرصتها سانحة لاستعادة ما سلبته إياها واشنطن من امتيازات ونفوذ في الخليج، منذ منتصف القرن الماضي.