تنطلق اليوم اجتماعات الجولة الجديدة من محادثات أستانا بمشاركة «واسعة» من مختلف الأطراف، في مشهد يختلف كثيراً عن الجولة السابقة التي شهدت غياب المعارضة واستنكارها لـ«عدم التزام» موسكو بتعهداتها، وبروداً تركيّاً ترافق مع رهان أنقرة حينها على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي وعدت بتغيير استراتيجيات باراك أوباما في سوريا.
ويبدو لافتاً انطلاق جولة المحادثات بعد اتصال بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأميركي ترامب، ركّزا فيه وفق الكرملن على «إمكانية تنسيق تحركات الولايات المتحدة وروسيا في مكافحة الإرهاب... واستكمال الحوار للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار مستدام يتيح إطلاق عملية تسوية حقيقية»، في ضوء الحديث عن مقترح روسي يقضي بإنشاء نسخة معدّلة عن «المناطق الآمنة»، قد يلبّي جزءاً من تطلعات ترامب.
جولة أستانا استبقت أمس باجتماع «فني» بين الوفود الروسية والتركية والإيرانية. وعلى غرار الاجتماعات السابقة، يترأس وفد المعارضة المسلحة محمد علوش، فيما يرأس الوفد الحكومي بشار الجعفري. ولفتت الخارجية إلى أن المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا سيحضر على رأس وفد رفيع المستوى، فيما تحضر الولايات المتحدة كمراقب، على أن يمثلها مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، ستيوارت جونز. كذلك أشارت إلى أن الأردن سيشارك بدوره كمراقب في الاجتماعات، من خلال مستشار وزير الخارجية، نواف وصفي التل.

أمل أردوغان أن
تقود مباحثاته مع بوتين وترامب نحو مرحلة جديدة

ويأتي الحضور المكتمل على طاولة أستانا لافتاً، بالنظر إلى الأحداث التي مرّت خلال الفترة الماضية، والتي كانت تهدّد عقد المحادثات، إذ اشتعلت معارك عنيفة على جبهات كانت منضوية تحت اتفاق وقف إطلاق النار، وأهمها محاور درعا وجوبر وريف حماة الشمالي. وحاولت «هيئة تحرير الشام» عبر تلك المعارك إعادة استقطاب الفصائل المسلحة إلى محورها، بعدما كانت وثائق «أستانا» المتعلقة بمكافحة الإرهاب تستعدّ لفصلها عن المعارضة تمهيداً لتوحيد الجهود العسكرية ضدها وضد «داعش» على حد سواء. كذلك تعمّدت الدول الغربية في هجومها الموحّد ضد روسيا، على خلفية هجوم خان شيخون الكيميائي، التركيز على إفراغ جهود أستانا، وإعادة جميع الملفات التي يعنى بها إلى إطار جنيف الذي تتمتع ضمنه بنفوذ أكبر.
وفي ضوء التسريبات عن المقترح الروسي، لم يصدر عن موسكو أي تأكيد لذلك المقترح. ورأى الرئيس فلاديمير بوتين أن من الواجب العمل في أستانا «لتثبيت وقف إطلاق النار الهش». وقال خلال مؤتمر صحافي عقب محادثاته مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في سوتشي، إن «مهمتنا هي خلق الظروف المواتية للوحدة ووقف الأعمال العسكرية... وخلق الظروف لتعاون سياسي»، مشيراً إلى أن «مشاركة الولايات المتحدة ضرورية من أجل تسوية النزاع». غير أن إعلان ميركل في المؤتمر الصحافي نفسه تأييدها لإقامة «مناطق آمنة» في سوريا، قد يعزّز وجود المقترح الروسي، خاصة في ضوء إعلان عدد من المصادر المعارضة «موافقة مبدئية» على تلك الورقة، وسط ترحيب تركي رسمي، إذ أشادت وزارة الخارجية التركية بالمقترح الروسي، موضحة أنه سيتم نقاشه خلال لقاء بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في سوتشي اليوم، وذلك بعد تصريحات للأخير تقول إنه سيبحث «العمليات المحتملة في منبج والرقة» مع بوتين، وتشير إلى أمله في أن «تؤدي المباحثات المقبلة مع بوتين وترامب إلى بدء مرحلة جديدة» في سوريا والعراق.
وتتحدث الوثيقة المسرّبة، بعد تأكيدها، على وحدة الأراضي السورية واستقلالها وسيادتها، عن «إنشاء مناطق لتخفيف التصعيد» في إدلب وريف حمص الشمالي، إلى جانب غوطة دمشق الشرقية والجنوب السوري. كذلك تنص، باسم الدول الضامنة الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، على «ضبط الأعمال القتالية» و«توفير وصول إنساني عاجل وآمن» و«تهيئة ظروف عودة آمنة وطوعية للاجئين، وتأمين عمل هيئات الحكم المحلي»، على أن يقوم «ممثلون عن القوات الحكومية والمعارضة المسلحة التي انضمت إلى اتفاق وقف إطلاق النار بمهمات التفتيش والمراقبة» على النقاط المنتشرة على حدود تلك المناطق، إلى جانب «إمكانية نشر وحدات عسكرية تابعة للدول المراقبة في تلك المناطق». وتطلب الوثيقة من الدول الضامنة «اتخاذ التدابير الضرورية لمتابعة الحرب ضد (داعش) و(جبهة النصرة) والمجموعات التابعة لها»، بعد إعداد «فريق مشترك» يحدد «خرائط انتشار» المجموعات المسلحة على الأرض.
وفي السياق ذاته، قال مستشار «الهيئة» المعارضة يحيى العريضي إن المعارضة المسلحة لا ترفض فكرة المقترح الروسي، على الرغم من وجود عدد من «التحفظات» والنقاط التي «تحتاج إلى توضيح»، مثل هوية الدول التي ستشارك في قوات المراقبة.