الصواريخ الإسرائيلية التي استهدفت موقعاً عسكرياً بالقرب من مطار دمشق، تقول تل أبيب إنّه مستودع كان يحوي سلاحاً «كاسراً للتوازن» وموجَّه إلى حزب الله في لبنان، لم يأتِ هذه المرة، فقط كترجمة عملية لخطوط إسرائيل الحمراء، في محاولة منها لمنع تزود حزب الله بالسلاح النوعي، وإن كان كذلك.
منذ العدوان الإسرائيلي بالقرب من مدينة تدمر، والتوتر الذي أعقب تصدي الدفاعات الجوية السورية للطائرات الإسرائيلية المعادية، كانت تل أبيب معنية بمحاولة التأكيد أن هامش المناورة لديها، تجاه الساحة السورية، ما زالت قائمة على حالها بلا تغيير. فهم أعداء إسرائيل في هذه الساحة، سوريا وإيران وحزب الله، أن يدها باتت مكبلة، أو شبه مكبلة، أو محدودة الهامش، ما من شأنه أن يسبب تداعيات سلبية جداً على المصالح الإسرائيلية، وهي أخطر بكثير من أي مخاطرة تنتج من عدوان، كما حصل أمس، بالقرب من مطار دمشق الدولي.
من هذه الناحية، ظروف ودوافع العدوان تأتي لتفادي التداعيات السلبية لحالة الامتناع عن توجيه ضربات، أكثر بكثير من كونه فعلاً عدائياً، يحاول الحد من تعاظم حزب الله عسكرياً. خاصة أن هذه الضربات، تنفيذاً لسياسة «المعركة بين الحروب» التي أعلنها الجيش الإسرائيلي بعد أن ثبت لديه أن لا قدرة للمواجهة المباشرة على تحقيق الأهداف، ثبت أنها سياسة لا تمنع التعاظم العسكري لحزب الله، بإقرار من الإسرائيلي نفسه، وعلى لسان كبار مسؤوليه.
في تشرين الأول 2015، تحدث رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكداً أن حزب الله نجح في «تهريب» أسلحة متطورة من سوريا إلى لبنان، رغم محاولات المنع. أكد في كلمته أن من بين الأسلحة «المهربة» صواريخ أرض ــ أرض دقيقة، وصواريخ دفاع جوي من نوع sa-22، وصواريخ بر ــ بحر من نوع «ياخونت» روسية الصنع.
قبل يومين، أكد ضابط رفيع في الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، في حديث أمام الإعلاميين ضمن استعراض الأوضاع الأمنية، أن الضربة التي نفذها سلاح الجو في آذار الماضي (مطار تيفور في ريف حمص الشرقي)، استهدفت شحنة مؤلفة من مئة صاروخ كانت في طريقها إلى حزب الله، وأن بعضاً منها دمر خلال الهجوم، فيما وصلت بقية الصواريخ بالفعل إلى الحزب، («يديعوت أحرونوت»، 26/04/2017).
بالطبع، يعد إقرار نتنياهو قبل عامين، وأيضاً إقرار الضابط الرفيع قبل يومين، اعترافاً صريحاً ينطوي على إقرار بالفشل في تحقيق الهدف والغاية من الضربات، التي قد يصل تعدادها إلى ما يقرب من عشرين عدواناً منذ أن بدأت إسرائيل اعتداءاتها في الساحة السورية، عام 2013.
بحسب سياسة «المعركة بين الحروب»، يفترض بإسرائيل أن تعمد إلى منع تزود حزب الله بالسلاح النوعي، وإن فشلت في ذلك مباشرةً، فالبحث عن رافعة تأثير من شأنها أن تمنع أو تحدّ من التزوّد بنوع من أسلحة كهذه، تسميها «الكاسرة للتوازن». رافعة التأثير المطلوبة، كانت الدولة والجيش السوريين، كمحل تهديد وتنفيذ تهديد، في حال فَشَل محاولات المنع المباشرة، وهذا ما عبّر عنه نتنياهو في مقابلة مع قناة «سي أن أن» (24/01/2016)، حيث أكد أنه في حال نجاح أي عملية تهريب سلاح نوعي إلى حزب الله، لن يتردد في ضرب الوحدات العسكرية السورية، رداً على ذلك.
مشكلة نتنياهو، والمؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل، أن أوان القفز من الاستهداف المباشر بعد الفشل، إلى استهداف الدولة والجيش السوريين، تزامن مع التدخل والمظلة الروسيين المباشرين للدولة السورية، الأمر الذي استتبع من تل أبيب، الاكتفاء بما أمكن، رغم اليقين بأن ما يستهدف من إرساليات سلاح، أقل بكثير مما يصل إلى لبنان. وهي خلاصة وضع، عبّر عنها وأقرّ بها، الإعلام العبري في الأشهر الماضية.
مع ذلك، العدوان الأخير يشير إلى نجاح إسرائيل في المحافظة على الحد الأدنى، ضمن سياسة «المعركة بين الحروب»، وإن كانت جدواها محل تساؤل وشك... إلا أن السؤال الكبير جداً، والذي يحمل إجابات أيضاً واضحة جداً: ما الذي يدفع إسرائيل إلى التعامل مع الفرع، فيما تمتنع عن التعامل مع الأصل؟ بمعنى، ما الذي يمنع إسرائيل من استهداف أماكن السلاح الكاسر لكل التوازنات في لبنان، بينما تكتفي بمحاولة استهداف ما أمكن أسلحة، قبل أن تصل إلى وجهتها النهائية، حيث التهديد الرئيسي؟ أيضاً ما الذي يمنع إسرائيل من استهداف إرسالية سلاح، إذا تجاوزت خط الحدود مع لبنان؟
ضمن هذه المحددات، بات بالإمكان قراءة التصريحات الإسرائيلية، الواردة على لسان المسؤولين في تل أبيب، إضافة إلى تقاريرهم الإعلامية، حول العدوان ودلالاته. وزير الشؤون الاستخبارية يسرائيل كاتس، الذي اعترف ضمناً بمسؤولية إسرائيل عن العدوان، أشار إلى أن «هذا الهجوم يتماشى تماماً مع سياستنا لمنع نقل السلاح المتطور إلى حزب الله»، فيما نقلت وكالة «رويترز» عن كاتس، وهو أيضاً عضو في المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، تأكيده تعهد إسرائيل بشن ضربات جوية بين الحين والآخر في سوريا على حزب الله، الذي ينقل صواريخ وأسلحة أخرى إلى الحدود اللبنانية، واصفاً ذلك بـ«الخط الأحمر».
وفي حديث مع الإذاعة العسكرية، أكد كاتس أن السياسة الإسرائيلية تجاه الساحة السورية واضحة جداً: عندما نتلقى أو نحصل على معلومات استخبارية عن نية نقل سلاح متطور إلى حزب الله، فلا نتردد في التحرك لمنع ذلك. علينا أن نمنع إيران من إقامة حضور عسكري في سوريا، وعلينا العمل سوياً مع الأميركيين، لافتاً إلى أن هذا المطلب لا يصب فقط في مصالح إسرائيل وأميركا، بل أيضاً في مصلحة معظم الدول العربية السنية.
وزير السياحة ياريف ليفين، أشار إلى أن الهجوم بالقرب من مطار دمشق يأتي في إطار التأكيد والمحافظة على الخطوط الحمراء، بمنع تهريب سلاح يكسر التوازن من جهة سوريا إلى لبنان، لافتاً إلى أن أحد أهداف إسرائيل هو عدم الوصول إلى مواجهة مع الروس، لكن العلاقة في ما بيننا، لجهة الساحة السورية، لا تعني تقييد أيدينا، إذ إننا رسمنا خطوطاً حمراء ونأمل من الجميع أن يحترمها، لأنها ضرورية لأمن إسرائيل. أما لجهة التنسيق مع الأميركيين، قبل شنّ الضربات في سوريا، فأشار ليفين إلى أن التنسيق الأمني بين إسرائيل والولايات المتحدة هو تنسيق واسع وتعاون كبير وعلى مختلف المستويات.

اختراق مسيّرة

إلى ذلك، أعلنت تل أبيب أمس اعتراض طائرة مسيّرة فوق الجولان السوري المحتل. وأشار بيان صدر عن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، إلى أن صاروخ «باتريوت» أطلق باتجاه طائرة من دون طيار وأسقطها، بعد أن اخترقت «الأجواء الإسرائيلية» قادمة من الأراضي السورية. وفيما لم ترد تفاصيل إضافية في البيان العسكري، أشار الإعلام العبري إلى أن التحقيقات جارية لمعرفة هوية الطائرة، إن كانت سورية أو روسية، وإن كانت في إطار الرد على الهجوم في دمشق أو حادث منفرد.