لعب تحالف دمشق مع كل من طهران وموسكو دوراً مركزيّاً في مسارات الحرب السوريّة. لم يكن التحالف مع كل من العاصمتين وليدَ الأزمة الناشبة، بل يمكن القول إن مواقفهما جاءت تأسيساً على العلاقات التاريخيّة التي تجمع كلّاً منهما بالدولة السوريّة.إيران كانت سبّاقة في تقديم الدعم المباشر وتصرّفت منذ بواكير الصراع على أنّها طرف أساسي في الحرب، رغم أنّها لم تُرسل قوّات رسميّة إلى سوريا. فيما لعبت موسكو دور الظهير السياسي القوي، ولا سيّما في مجلس الأمن الذي شهد أول فيتو روسي صيني في الشأن السوري عام 2011، لتكر السبحة بعدَها.

تأخر الانخراط الروسي العسكري المباشر في الحرب حتى الربع الأخير من عام 2015، والثّابت أنّ هذا الانخراط تم بعد تنسيق ومشاورات مع دمشق وطهران. وبعبارة أخرى، لم يكن التدخل الروسي «صفعةً» لطهران ولا مفاجئاً لها. لكنّ التطابق لم يكن سمةً دائمة لرؤى طهران وموسكو في سوريا. ويمكن الجزم بأنّ طهران وموسكو تتشاركان الموقف ذاته في ما يخصّ النهاية المتوخّاة للحرب، وتختلفان على تفاصيل أخرى مرتبطة بالملف ذاته. وحضرت التباينات في كثير من المفاصل الميدانيّة على وجه الخصوص، سواء في تحديد الأولويات أو توجيه بوصلة المعارك أو طريقة حسم بعضها. أدّت هذه التباينات غيرَ مرة إلى تأخير حسم بعض المعارك، ولا سيّما معركة شرق حلب. ورغم أن مصادر سوريّة أكّدت مرات عدّة لـ«الأخبار» أنّ «الحديث عن صراع نفوذ بين الحلفاء ليس دقيقاً»، فإنّ بعض المعطيات تبرز بين فترة وأخرى لتشير إلى وجود «شيء ما». وربّما كان «سباق النفوذ» هو التوصيف الأدق في هذا السياق.
وحملت مرحلة «ما بعد حلب» بعض التغيرات الميدانيّة والتي تبدو مرتبطةً بتوافقات من نوع ما بين دمشق وحلفائها. ويبرز في هذا السياق انخراط الحلفاء الميدانيين في معارك ريف الباب وما بعدها، وصولاً إلى أقصى الريف الشرقي لحلب، والانطلاق المتوقّع نحو الحدود الإدارية لمحافظة الرقّة. وحتى وقت قريب، كان ثمّة تحفظات روسيّة على مثل هذه التحركات، في مقابل إصرار إيراني على أولوية فتح جبهة إدلب بعد حلب. وعلى الصعيد نفسه، تذهب بعض المصادر إلى أن غياب مجموعات سوريّة بعينها عن الواجهة الميدانيّة يعود في جزء كبير من أسبابه إلى الصلة الوثيقة بين تلك المجموعات وموسكو. وتأتي على رأس تلك المجموعات قوّات «صقور الصحراء» و«فوج مغاوير البحر» المرتبط بها.
(الأخبار)