من لا يعرف بهاء؟ بهاء الرجل الذي قاد ثورته الخاصة ضد الاحتلال الاسرائيلي، بهاء الاستثناء المختلف، بهاء الذي لم يكمل عامه الاثنين والعشرين مواليد 1993 من القدس، حمل حلمه على كتفيه, شرَّع أبواب النضال, عرف أن شيئاً من السلام لا يحدث، فالبلاد تتجه نحو احتلالٍ أكثر، ومصادرة لكافة الحقوق والملكية وحتى القضية، صادروا حقنا في الحياة وحق أطفالنا، فاتجه نحوهم حاملاً حقده على شكل سكين وقتل ثلاثة من المستوطنين، وأطلق الرصاص عليهم. بهاء كلما ذُكر اسمه تحديداً، يأخذني إلى أغنية موطني..الجلالُ والجمالُ والسناءُ والبهاءُ، فتبدو كل هذه الكلمات مرادفة لاسمه ومعناه، بهاء الجميل.. أقولها فيمتلىء قلبي فخراً به، قتلوه بعدما نال منهم, واشتبك معهم في مواجهة مباشرة، خُيِّل إليهم أنهم قتلوه لكنه بالحقيقة مازال حياً يُرزق عند ربه، وحياً ينبض فينا، حبسوا جثته قرابة تسعة أشهر، ربما ظنوا أن جثته ستتعذب في ثلاجاتهم الباردة، لكنه دافئاً كان ورطب بدمه النقي، وهل أنقى من دم بهاء؟
تسعة أشهر انتظر أهله وأصحابه أن يأتيهم، فيُكرموه بدفنه في القدس التي مات لأجلها، تسعة أشهر لم يقبلوا له عزاءً ولا جنازة، وأجلُّوا العزاء إلى أن يُقبِّلوه بأنفسهم قُبل الوداع، وتغمر جنازته أمه بالزغاريد، فهو حين غادر البيت آخر مرة أخبرها أنه ذاهب لعُرس.
فاوضوا أهله على جثته، هدموا منزلهم, وأرغموهم على أن يُشيِّعُ جنازته خمسة وعشرين فقط من ذويه, ودفع مبلغ خمسة آلاف دينار، وبهاء عندنا يُساوي ما هو أكثر من مالِ العالم، رمز كرامتنا كيف لا يكون كذلك؟
لم يعرفوا الانتقام منه حياً، فانتقموا من جثته، لكنه توهموا ذلك، فهو حتى في موته انتصر، انتصر عليهم، أشبعهم خوفاً وأخذ ثلاثة منهم إلى جحيم الآخرة، بهاء سيبقى يُخوِّفهم ويُخوِّف أولادهم في المنام والصحو، وكلما قابلوا شاباً يُشبهه أو يلبس الكوفية سينتابهم الرُعب!
من لا يعرف بهاء؟ صاحب أطول سلسلة قراءة في موسوعة جينيس، صاحب المبادرات والانشطة الخيرية والوطنية، صاحب الهاشتاجات التي انتصرت للعديد من القضايا الفلسطينية والأسرى، بهاء نشر أخبار حروب غزة، وجمع التبرعات لها، والأخبار العاجلة، ولم نكن نعرف بأنه سيكون الخبر الأبرز فيها يوماً ما، خبرٌ يزيدنا فخراً وحباً لما فعله، وغصة أنه ذهب بعيداً ولن نراه إلا صوراً من الأرشيف!
آن لك يا بهاء أن تستريح الآن في تراب قدسك، نم قرير العين والقلب، ونحن سنذهب في عزائك المُقام داخل قلوبنا، نم يا بهاء، ولتبقَ يقظاً فينا، لا تبرح ذاكرتنا المُتعبة، وجهك وحده ينير لنا شعلة فوق القدس ولأحلامنا فيها.