لم تخرج «قمة العشرين» التي أنهت أعمالها في الصين أمس، بخرق على صعيد المحادثات الأميركية ــ الروسية حول الوضع في سوريا، بل شكلت واحدة من مراحل المفاوضات بين البلدين التي يمكنها أن تتجه نحو تحقيق اتفاق موسّع. لم تتضح تفاصيل العثرات التي تحول دون توصل الجانبين إلى اتفاق كاد أن يُعلن التوصل إليه قبل يومين. لكن ما يبقى حاضراً، أن اتهام الأميركيين للروس بالتراجع عن اتفاق، تزامن مع تطورات في حلب، أظهرت عدم جدوى ما كان يُبحث بين الطرفين عن ترتيبات أمنية للمدينة تُخرجها عملياً من السيادة السورية. أضيف إلى ذلك حديث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس، حين حدد وجهة مسار المفاوضات، رابطاً إياها في الوقت نفسه بالتشاور مع «الحلفاء في دمشق» و»الشركاء في طهران». وأتى كلام الرئيس الروسي ليعزّز التحليلات التي كانت تشير إلى كون دمشق وطهران، ساندتا موسكو لإحباط الضغوط الأميركية الرامية إلى تحقيق مكاسب في حلب للمعارضة عبر المفاوضات. وفي المقابل، كانت موسكو تساند سوريا وإيران عسكرياً لإعادة تطويق مدينة حلب، وفرض وقائع ميدانية تتخطى ما كان الأميركيون يعرضونه على الروس في الصين، وتُخرِج من النقاش ما كانوا يطالبون به. وفيما كانت الأنظار تتجه إلى الصين للوقوف على ما ستخرج به اللقاءات الأميركية ــ الروسية، شددت إيران على موقفها الواضح والداعي إلى عدم المساس بسيادة الدول الاخرى، بما فيها سوريا، من دون طلب من الحكومة المركزية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، بهرام قاسمي، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، رداً على سؤال عن الهجوم التركي الأخير على سوريا، إنّ «محاربة الإرهاب في المنطقة موضوع جاد ومهم... وعلينا جميعا أنّ نبذل الجهود (في هذا الصدد) دون استخدام المعايير المزدوجة». وتابع: «ما يمكنني قوله بشأن إجراء تركيا، هو أنه يمكن إدراك الخطوة ضد الإرهابيين الذين انتشروا في سوريا، ولكن من المؤكد أن لا الحكومة التركية ولا الآخرون يمكنهم المساس بالسيادة الوطنية للآخرين ووحدة ترابهم من دون طلب من الحكومة المركزية».
وعلى صعيد المفاوضات الأميركية ــ الروسية، فبينما أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أنّ محادثاته مع نظيره الروسي في الصين، التي استمرت لنحو 90 دقيقة، كانت «مثمرة»، علّق بوتين على اللقاء بالقول إن موسكو وواشنطن أقدمتا على خطوة جديدة لإطلاق التعاون حول سوريا، مؤكداً بقاء نقاط اختلاف تقنية.
طهران: لا يمكن
أنقرة المساس
بالسيادة من دون
طلب من الحكومة

وتابع الرئيس الروسي، في مؤتمر صحافي عقده في أعقاب قمة «مجموعة العشرين»، أن الطرفين بحثا جميع المسائل المطروحة بالتفاصيل وتوصلا إلى تفاهم متبادل. واستدرك قائلاً: «إننا مع أوباما انخرطنا في النقاش بالتفاصيل وجهاً لوجه. وأعتقد أننا توصلنا إلى تفهم بعضنا لمواقف بعض وإلى تفهم للقضايا التي نواجهها، ويجب علينا معالجة بعض النقاط التقنية، وإذا تمكن (وزيرا الخارجية) كيري ولافروف من إحراز هذا الهدف، فسيعني ذلك أننا أقدمنا على خطوة جديدة إلى الأمام لتسوية الأزمة السورية».
وأضاف بوتين: «من السابق لأوانه الحديث عن أي أطر لاتفاقنا، لكنني أعوّل كثيراً على التوصل إلى هذا الاتفاق، ولدينا ما يبعث على الأمل في تحقيق هذا الهدف خلال الأيام القليلة المقبلة. ويمكنني القول إن عملنا المشترك مع الولايات المتحدة لمحاربة التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك على المسار السوري، سيشهد تحسناً وتكثيفاً بقدر كبير».
وفي ردّه على سؤال عن «التعاون الروسي ــ الأميركي ــ التركي في الملف السوري» وحول أهداف «عملية محاربة الإرهاب» التي أطلقتها أنقرة في شمال سوريا، قال: «لا يمكننا أن نكون واثقين مئة بالمئة من أهداف أحد، لكن حوارنا حول المسائل المتعلقة بسوريا مستمر مع الشركاء الأتراك والأميركيين على حد سواء». وأضاف: «على الرغم من كل شيء، هناك تقارب معيّن لمواقفنا وتفاهم حول ما هي الخطوات التي يمكننا أن نقدم عليها من أجل نزع فتيل التصعيد في سوريا والبحث عن حلول مقبولة للجميع». وأكد أنّ على روسيا أن تجري مشاورات مع الحكومة السورية حول مضمون تلك الاتفاقات، وإبلاغ الشركاء الآخرين، وبالدرجة الأولى، إيران.
وفي السياق، أعلن بوتين أن توغل القوات التركية شمالي سوريا لم يفاجئ روسيا، وقال: «كنا ندرك ما يحدث وإلى أين تتجه الأمور. ونحن نرى تحركات القوات، والتطلعات، والقضايا التي تظهر في تركيا بسبب الأحداث في سوريا. إننا نرى كل شيء جيداً، وبشكل عام، لا مفاجآت بالنسبة إلينا. لكنني أكرر مجدداً: إننا لا نرحب بأي خطوات تتعارض مع أحكام القانون الدولي ومبادئه».
في غضون ذلك، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنه حثّ القوى الدولية على إقامة «منطقة آمنة» في سوريا خلال محادثات مع بوتين وأوباما، معتبراً أنه يمكن تحقيق ذلك بالتعاون مع قوات «التحالف». وقال: «نعمل حالياً مع روسيا لإعلان وقف لإطلاق النار في منطقة حلب... قبل عطلة عيد الأضحى في 12 أيلول».