لم تنته مفاعيل خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس مع عودته إلى إسرائيل، بل لا تزال تداعياته تتفاعل داخل الإدارة الأميركية التي حمّلته المسؤولية عن إنتاج الأزمة الحالية، وألقت عليه مهمة حلها.في المقابل، لم تنفع محاولات ورسائل التهدئة التي وجهها نتنياهو في مطلع خطابه أمام الكونغرس ومؤتمر «ايباك»، كونها (في نظر الأميركيين) أقل من اللازم، وجاءت متأخرة. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤولين في الإدارة الأميركية تأكيدهم أنه في حال فاز نتنياهو في الانتخابات المقبلة، فإن عليه إعادة إصلاح الوضع.

ولجهة ما تضمنه خطابه، لاحظ مسؤولون في محيط الرئيس الأميركي باراك أوباما أن هناك أسلوباً يتكرر لدى نتنياهو، فهو يهاجم بداية ويخلق أزمة، ثم يلجأ إلى إلقاء المديح علناً اتجاه أوباما.
وبالمقارنة مع أحداث وأزمات سابقة خلال السنوات الست التي كان يتولى فيها رئاسة الوزراء، لفت مسؤولون أميركيون إلى أنه، هذه المرة، كان هناك شعور بأن نتنياهو عمل على تظهيرها وتعزيزها أكثر فأكثر لمصلحته السياسية.
ونقلت الصحيفة أيضاً، عن مسؤول أميركي رفيع، أن الأزمة الحالية أصعب، ومشحونة سياسياً أكثر من أي وقت مضى، رغم «أننا شهدنا أزمات مشابهة في العلاقات الإسرائيلية ــ الأميركية في الماضي».
وأكدت «هآرتس»، نقلاً عن مسؤولين في الإدارة الأميركية، أن البيت الأبيض لا يعكف على عمليات انتقامية ضد نتنياهو، ولا على سلسلة خطوات عقابية، في حال فوزه في الانتخابات. مع ذلك، يضيف المسؤولون أن الجراح نتيجة الأزمة الحالية أبعد ما تكون عن الالتئام، وعلى ذلك فهو سيضطر إلى بذل جهود كبيرة وإيجاد طريقة لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه مع الإدارة الأميركية.
ورغم أن «هآرتس» أوضحت أن البيت الأبيض لا يتحدث بصراحة ومباشرة، فإنه يمكن الاستنتاج من بين السطور أن أحد مفاتيح إصلاح العلاقات بين نتنياهو وأوباما هو استبدال السفير الإسرائيلي لدى واشنطن، رون ديرمر، على خلفية دوره في تنظيم إلقاء الخطاب، مع رئيس مجلس النواب جون باينر، من دون علم البيت الأبيض.
وكان نتنياهو قد أثنى على ديرمر خلال كلمته أمام مؤتمر «إيباك». وأضافت «هآرتس» أنه في حال قرر الأول مواصلة دعم سفيره، فإن الأخير سيجد نفسه معزولاً في العاصمة الأميركية، ما دام أوباما في البيت الأبيض.
أما في حال أراد نتنياهو العمل مع البيت الأبيض، فلن يكون أمامه إلا اختيار بديل من دريمر، بعدما بات واضحاً لدى الإدارة الأميركية أن سلم أولوياته يكمن في تعزيز علاقاته مع الكونغرس على العلاقات مع البيت الأبيض.
في السياق نفسه، رأى السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، دان كيرتسر، أن «قدرة السفير الإسرائيلي لدى واشنطن تراجعت كثيراً، وعلى الأرجح بطريقة لا يمكن إصلاحها... وهو في الواقع عزل نفسه عن الجانب الديموقراطي في الخريطة السياسية الأميركية، لذلك سوف يصار إلى استبداله في وقت قريب». ولفت كيرتسر أيضاً إلى أن «السفراء هم منتج قابل للتحلل، وديرمر لم يعد مجدياً كسفير لإسرائيل».
«هآرتس» ذكرت، كذلك، أن البيت الأبيض كان قد قرر التخفيف من أهمية خطاب نتنياهو، وتجسد ذلك في حقيقة أن أوباما لم يشاهد الخطاب، بل كان يجري محادثة فيديو مع عدد من السياسيين في أوروبا، بشأن أوكرانيا، ثم أتى تعقيبه على الخطاب لتكريس التقليل من أهمية كلام نتنياهو.
وبعيداً عن التوتر السياسي، تضيف «هآرتس» أن المشكلة الأساسية للبيت الأبيض تكمن في أن نتنياهو منح إيران ذخيرة دعائية في حال أخفقت المفاوضات.
وفسّرت ذلك، نقلاً عن مسؤول أميركي، بأن الولايات المتحدة كانت تريد أن يكون واضحاً أنه في حال تفجّر المفاوضات، فإن الولايات المتحدة ليست هي من تتحمّل المسؤولية، بل يجب أن يوجه إصبع الاتهام إلى إيران.
وأضاف المسؤول: «في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق، فمن المهم لنا أن يبدو بوضوح أن المتهم هو إيران، وممنوع أن يبدو أن الكونغرس هو الذي أحبط الصفقة... ينبغي إدارة المفاوضات حتى النهاية، من أجل استنفاد محاولة التوصل إلى اتفاق، ولكن في حال لم نصل (إلى اتفاق) ينبغي أن ندفع إيران لكي تقول هي لا؛ ففي حالة كهذه، دائماً سيكون بالإمكان فرض المزيد من العقوبات».
في السياق نفسه، ذكر موقع «معاريف» العبري أن هناك خشية في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن تؤدي الأزمة بين نتنياهو وأوباما إلى عرقلة صفقات بين الطرفين. ونقل عن مصادر أمنية إسرائيلية أن العمل مع الأميركيين بات «مثقلاً وبطيئاً»، وصولاً إلى التأثير على صفقات تطوير وإنتاج منظومات دفاع، تم توقيع اتفاقات بشأنها بين واشنطن وتل أبيب.
(الأخبار)