غزة | رام الله | الإضراب المفتوح عن الطعام: آخر «الخيارات الإجبارية» التي يمكن أن نصل إليها. يخبرك بذلك كل من خرجوا من الأسر في السجون الإسرائيلية وعاشوا تلك التجربة. لكن، بعد أشهر طويلة من إهمال قضيتهم، يعتزم الأسرى داخل السجون خوض إجراءات تصعيدية مطلع الشهر المقبل، بعدما توافقت قيادات الحركة الأسيرة، ابتداءً من حالات العصيان ورفض قرارات شرطة السجن كتفتيش الغرف والأقسام، انتهاءً بالتوجه نحو الإضراب المفتوح حتى العاشر من آذار.
ومع أن الأسرى يعلنون هذه الخطوات في الإعلام حتى ترد إلى باقي السجون عبر الإعلام أيضاً، فإن ما حدث يوم أمس كان مفاجئاً. إذ حاول الاحتلال استباق التنسيق بين قيادة الحركة الأسيرة لضرب أي خطة قد تؤدي إلى إتمام الإضراب، الذي عادة وليس دائماً، ينجح في تحقيق مطالبهم. إثر ذلك، بدأ أسرى حركة «الجهاد الإسلامي» في سجن «ريمون» أولاً، ثم «نفحة» (الاثنان في النقب جنوب فلسطين)، حالة من العصيان رداً على عزل عدد من أسرى «الجهاد»، ثم تبعهم في الاحتجاج أسرى «فتح». يقول أسرى «ريمون» عبر اتصالات إنهم رفضوا الخروج من أقسام السجن، ولاحقاً انضم إليهم أسرى «حماس»، والجبهتين الشعبية والديموقراطية.
أسرى «الجهاد الإسلامي» يقودون المواجهة بإسناد
أسرى الفصائل

حالة توتر دفعت الاحتلال إلى التعامل بسياسة العصا الغليظة، وهو ما رد عليه الأسير حمزة أبو صواوين (معتقل من غزة عام 2013، ومحكوم بـ13 سنة) إلى الهجوم على أحد ضباط وحدة «النحشون»، ويدعى حاييم أزولاي، فيما تضاربت الأنباء بين أنه حاول خنقه بسلك حديدي، أو طعنه في وجهه بقضيب حديدي. وعادة، تتعامل إدارة السجون بخطورة مع مثل هذه المواقف، فأغلقت سجني «ريمون» و«نفحة» و«إيشل» كلياً، واستنفرت قواتها في بقية السجون مانعة الأهالي من زيارة ذويهم.
في المقابل، أفاد أسرى «الجهاد» في «ريمون» بأنهم قرروا خوض مواجهة شبيهة بالتي خاضوها في كانون الأول الماضي، وذلك بالإضراب لثلاثة أيام خلال الأسبوع الجاري (الأحد، والثلاثاء، والخميس). وتتلخص الآن مطالبهم في إرجاع «الأسير القائد زيد بسيسي إلى السجن»، وإخراج علي الصفوري ومجدي ياسين ومحمود أبو الرب من العزل الانفرادي، فضلاً عن منع نقل أي من أعضاء الهيئة القيادية إلا بموجب تنسيق مسبق مع قيادة التنظيم، وهي الخطوة التي يهدف بها الاحتلال إلى تشتيت الأسرى ومنعهم من تنسيق خطوات موحدة.
ومن الإجراءات التي أسهمت في استفزاز الأسرى، منع عائلة الطويل من زيارة ابنتها بشرى ووالدها جمال في سجن «مجدو»، إضافة إلى إهانة ذويهم خلال التفتيش قبل الزيارة، بل إجبارهم في بعض الحالات على التجرد من ملابسهم. وعلم في وقت لاحق أن قوة إسرائيلية خاصة (متسادة) معززة بالكلاب اقتحمت غرف أسرى «الجهاد» بعدما فُرض نحو 180 دولاراً غرامة على كل واحد منهم، ثم صادرت الأدوات الكهربائية وأدوات المطبخ، وعمدت إلى نقل 24 أسيراً إلى جهات غير معلومة.
رغم ذلك، فإن الظرف السياسي المحلي والإقليمي لا يضمن للأسرى نجاح خطوتهم، ففلسطينياً الضفة المحتلة غارقة في أزمات السلطة المالية، وغزة تعاني آثار الحرب حتى اللحظة، فيما الوسط العربي مشغول تماماً عن فلسطين، كذلك فإن الوسيط المصري غائب عن دوره كلياً. هذا كله يخيف الأسرى، لكنهم أمضوا قريباً من عام وهم يخسرون مكتسابتهم شيئاً فشيئاً، فضلاً عمّا زاده الشتاء في معاناتهم (راجع العدد ٢٤٩٤ في ١٦ كانون الثاني).
ووفق رئيس «نادي الأسير الفلسطيني»، قدورة فارس، فإن نجاح خطوات الأسرى مرهون بتوافر المناخ المناسب سياسياً وبيئياً، فهم يتجنبون خوض الإضرابات في فصل الشتاء، لما له من تأثير على صحتهم، وسياسياً تكون فرص نجاحهم ضئيلة بسبب اقتراب الانتخابات الإسرائيلية التي يقعون ضحية لمزاوداتها، ومثال ذلك ما قاله وزير الخارجية الإسرائيلي، افيغدور لبيرمان، قبل أيام، بشأن طرح مشروع قانون يسمح بإعدام الأسرى الفلسطينين. كذلك يرى مراقبون آخرون أن أزمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية في الأشهر المقبلة ستزيح الأنظار عن قضيتهم.
كذلك سيكون على الحركة الأسيرة دراسات عدة سيناريوات تفادياً لما حدث معها العام الماضي، حينما خاض الأسرى إضراباً مفتوحاً عن الطعام لأسابيع، لكنهم اضطروا إلى وقف الإضراب بسبب حادثة فقدان ثلاثة مستوطنين في مدينة الخليل، جنوب الضفة، ثم الحرب الأخيرة على غزة. أيضاً، يعكس الانقسام الفلسطيني السياسي نفسه على السجون التي تحوي الآن نحو 7000 أسير منهم 11 امرأة و214 طفلاً، ومئات الأسرى الإداريين والمرضى.