توحي اجتماعات فيينا بما لا تحويه: الحل السياسي بعيد، ولا توقّف للقتال ميدانياً. الثابت الوحيد، حتى الان، هو ان الحرب مستمرة، بإنتظار تغيّر مواقف الأفرقاء. اي حديث اخر عن حل، او تسوية، يبقى في دائرة «التفكير بالتمني».برغم فيينا ولقاءاتها، وما قبلها وما سيعقبها، ما من شيء يوحي بزحزحة اطراف الحرب السورية، (الاطراف الفعليين في هذه الحرب) عن مواقفهم الابتدائية التي حكمت سقف مطالبهم وشروطهم منذ بداية الازمة. صحيح ان هناك «تلطيف» للشروط والشروط المضادة، لكن لا تغيير اساسيا للمواقف، الامر الذي يشهد إمكان فشل اجتماعات فيينا، من هذه الناحية تحديدا، وفي ايجاد حل سياسي للحرب في سوريا.

تثير اجتماعات فيينا لغطا لدى الجمهور، وايضا لدى عدد كبير من المحللين. هذه هي المرة الاولى، ربما، التي تنعقد اجتماعات بين «المتحاربين»، للتوصل الى حل بناء على نتائج ميدانية لم تتحقق بعد. روسيا ومعها محور المقاومة يريدون صرف ما تحقق الى الان، وما يمكن ان يتحقق، فيما يصل الى الطاولة الفريق الاخر، اميركا والحلف الذي معها، ليصرف ما يمكن له فعله، بما تبقى له من خيارات، في المواجهة الميدانية. من هنا، تبدو اجتماعات فيينا حدثاً مستعاراً من المستقبل. ما كان يجب ان يحصل في مرحلة ما بعد النتائج الميدانية، يحصل في هذه المرحلة.
مع ذلك، لا تخلو اجتماعات فيينا، من نتائج:
اولاً: هي المرة الاولى التي تشارك فيها إيران، في جلسات «التطلع» الى حل سياسي للحرب السورية. انتهت جلسات المراحل الماضية من الحرب التي كان يجلس فيها فريق ليتحاور مع نفسه، وليصدر بيانات مليئة بالشروط والمطالب من الطرف الاخر، مغلّفة بصورة حل سياسي. انتهت هذه المرحلة، وبدأت مرحلة جديدة.

الحل سيبنى على النتائج الميدانية والمشاركة الايرانية تعكس إقراراً من الاميركيين وحلفائهم بدور طهران
ولقاء باريس، قبل ايام، الشبيه بلقاءات الامس، شاهد على فشل هكذا نوع من اللقاءات.
ودلالات المشاركة الايرانية، اهم من النتائج التي تترتب عليها، لأنها تعكس إقراراً وتسليماً قهرياً من قبل الاميركيين وحلفائهم، بأنه من دون إيران لا يمكن التوصل الى شيء، سياسياً.
البعد السياسي للحضور الإيراني على طاولة المفاوضات، يوازي حجم التدخل الروسي بأبعاده العسكرية. هو انعكاس لتحولين اساسيين في الحرب: التدخل العسكري الروسي، وتعزيز التدخل الإيراني ميدانياً.
ثانياً: يُشهد لموسكو انها نجحت في التدخل الميداني في سوريا، بشكل مؤثر وفاعل جداً، وفي الوقت نفسه المحافظة على دور الوسيط، وربما الحكم ايضاً. هذه النتيجة انتزعتها روسيا انتزاعاً من خصومها الاميركيين. وما كان هذا الدور، الروسي، ليكون، لولا عاملان اثنان: عجز الفريق الاخر في فرض صيغة يريدونها من الناحية السياسية، وعجزهم قبل ذلك على فرض حقائق ميدانية، تدفع الطرف الاخر لقبول شروطهم.
ثالثاً: تؤكد اجتماعات فيينا، برغم توقع فشلها، على ان الحل في سوريا سيكون سياسياً. اما تفاصيل هذا الحل، فيتفق عليه لاحقاً. الا أنّ المؤكد، ان هذا الحل الذي سيبنى على النتائج الميدانية للعمليات القتالية في الساحة السورية، لن يكون في مصلحة الفصائل المسلحة التي ستكون وقود اي حل يجري الاتفاق عليه لاحقاً. نعم سيعمل الاميركيون على المحافظة على هذه الفصائل حالياً، اذ انها الأداة شبه الوحيدة للضغط على الطرف الاخر، لكن في نهاية المطاف، سيكون الحل، اي حل، على حسابها.
قد لا تبرر هذه النتائج قبول اميركا والحلف الذي تقوده، الجلوس في فيينا مع خصومهم واعدائهم لنقاش حل سياسي، معروف مسبقاً أن شروطه وفقاً لمصالح الاميركيين، لم تعد قائمة. الامر الذي يعني ان الفريق الاميركي، على الاقل، مع او من دون حلفائه، يرى ان الميدان مقبل على نتائج قاسية جدا، وعلى خيارات ميدانية «طاحنة» لن تكون في مصلحته. وهو ما يدفع واشنطن، بحسب مراقبين، الى تلمّس حل مسبق يكفل الحد الادنى من المكاسب، في مقابل حل لاحق يتضمن خسارة شبه كاملة للساحة السورية، وما ورائها أيضاً.
مع ذلك، ما لم تحدث معجزة في زمن غياب المعجزات، القدر المتيقن في المرحلة الحالية، انه لن يجري التوافق على النقاط الخلافية في لقاءات فيينا: لن تحل المشكلة السورية، ولن تتوقف الحرب... بانتظار النتائج المرتقبة للميدان.