رسائل كثيرة حملتها كلمة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في الذكرى الـ42 لنصر أكتوبر. ما بين الحديث عن أهمية الجيش المصري ودوره في إبعاد مصر عن مصير سوريا والعراق، وكشف أسباب الامتيازات المالية التي يمنحها للجيش بين حين وآخر، مقابل موقفه من رفض العاملين قانون الخدمة المدنية الذي يقلل رواتبهم، وحقيقة مطالبته بتعديل الدستور، وأيضاً مصير الحكومة الحالية بعد تشكيل البرلمان. كذلك لم يخف السيسي توضيح الموقف من السعودية بعد سقوط عشرات الضحايا المصريين في حادث منى، ولم يغفل تأكيد المكرر في غالبية أحاديثه عن تجديد الخطاب الديني أو وضع ميثاق شرف إعلامي.
جاءت كلمة الرئيس المصري مليئة بالرسائل السياسية للداخل وللخارج، فهو تحدث بوضوح عن رغبته في استمرار حكومة شريف إسماعيل التي لم تكمل شهرها الأول، حتى بعد انتخاب البرلمان، مبرراً بأنه لا يوجد ارتباط بين البرلمان المقبل وتقديم الحكومة استقالتها، ما دامت الحكومة ستقدم برنامجها إلى البرلمان، وللأخير «الحق في تجديد الثقة في الحكومة أو سحبها ثم إقالتها وتكليف رئيس وزراء آخر».
وهي نقطة برغم أنها تجيب عن السؤال الأساسي «لم شكل السيسي حكومة عمرها الافتراضي ثلاثة أشهر؟»، فإنها من وجهة نظر علي عوض، وهو المستشار الدستوري للرئيس السابق عدلي منصور، متفقة مع الدستور ومخالفة للأعراف المستقر عليها في مصر منذ عشرات السنين، التي كانت فيها الحكومة تقدم استقالتها فور تشكيل البرلمان. وأوضح عوض أن المادة 146 من الدستور اشترطت أن تحظى الحكومة بثقة البرلمان فقط دون النص على استقالتها.

رفض تحميل السعودية المسؤولية عن «منى» واكتفى بعزاء الضحايا


مراقبون للشأن المحلي تحدثوا عن تعمد السيسي الحديث تارة عن تعديل الدستور، وأخرى عن استمرار الحكومة، كأنه يحدد الخطة العامة وأجندة عمل مجلس النواب الذي لم يشكل بعد. ومع أن الرئيس حرص خلال كلمته على توضيح موقفه من تعديل الدستور ومن حديثه عن إعداده بنيات حسنة، فإنه لم يغير موقفه من التعديل، ولمّح إلى أنه لا يفرض وجهة نظره، بل يعرض تصوره فقط! «الجنرال» دلّل على مطلبه بضرب مثل على قانون الخدمة المدنية الذي سبق أن نظم آلاف العاملين المدنيين تظاهرات مناهضة لإقراره عليهم، وذلك لتضمنه بنوداً تحرمهم حوافز ومكافآت كثيرة، فشرح الرجل أن «خطورة البرلمان تكمن في تصديه لكل القوانين الخاصة بجميع الفئات والهيئات»، وتخندق ــ وفقاً لمصطلح السيسي ــ لكل فصيل لحساب مصلحته.
الكلمة التي خصص الرئيس ما يقارب نصفها للحديث عن دور الجيش المصري قبل حرب أكتوبر وبعده، حملت في طياتها أيضاً رسائل غير مباشرة عن فضل الجيش على شعبه في تجنب مصائر دول عربية أخرى، واستعداده وقدرته على حماية أمن البلاد، بل «أمن المنطقة كلها».
من هنا ضمّن السيسي كلمته بالإجابة عن أسباب زيادة الاعتمادات المالية المتكررة لوزارة الدفاع (آخرها استثناء سبع جهات خدمية تتبع وزارة الداخلية والدفاع من رد فوائض ميزانيتها ــ راجع عدد الأمس)، والقرارات الكثيرة بزيادة مرتبات العاملين في القوات المسلحة منذ ما بعد «30 يونيو». فقال: «رجال الجيش المصري ظلوا 20 عاماً يتقاضون نصف المرتب لدعم القدرة الاقتصادية للجيش». لكن هذا الحديث رآه كثيرون استفزازياً، خاصة أن رجال الجيش منذ عهد جمال عبد الناصر حتى الآن كانوا دائماً مميزين عن سائر العاملين في الدولة في مختلف المجالات، بزيادة مرتباتهم ومعاشاتهم دورياً، أواستثنائهم من تأدية ضرائب معينة، إلى جانب الامتيازات الإنهائية لكل المنتمين إلى القوات المسلحة في النوادي والمستشفيات ومشاريع الإسكان وغيرها.
على الصعيد الخارجي، حملت الكلمة رسالة قوية إلى «الحليف السعودي»، فقد دافع الرئيس المصري عن الرياض وتوليها منفردة إدارة شؤون الحج والعمرة. وقال: «إحنا الحقيقة لازم هنا نكون منصفين. مش معقول بعد أكثر من ألف سنة والأشقاء في السعودية بيقدمو خدمة الحجيج، والعيد بتاعهم على مدى ألف سنة هو عيد خدمة الحجاج وحد يتصور أن في حد ممكن يزايد على هذا الدور». وتابع: «إحنا كلنا ثقة في الإجراءات اللي بتقوم بها السلطات السعودية لخدمة الحجيج، ولو تصور حد تاني أن ممكن غير أشقائنا في السعودية يقدمو هذه الخدمة يبقى مش منصف، فكل التقدير للمملكة العربية السعودية ولكل الجهود اللي بتبذل مش بس في خدمة الحجاج لا اللي بتبذل على مدار السنة في العمرة والحج».
أما عن المصريين الذي قضوا في تدافع منى، فلم يذكر السيسي في كلمته العدد النهائي للضحايا والمصابين والمفقودين، لكنه اكتفى بتوجيه العزاء إلى أسرهم بعد 11 يوماً من الصمت الرسمي وتجاهل سقوط 146 قتيلاً و92 مفقوداً وفقاً لآخر إحصائية صادرة عن وزارة الخارجية أمس، علما بأن الرئيس اكتفى بتوجيه سؤال عن مصير الضحايا يوم القيامة لم ينتظر إجابته من شيخ الأزهر بالقول: «مش كل الناس هتبعث على آخر موقف لها يا فضيلة الإمام. طب الناس دي هاتبعث يوم القيامة وهي في الحج. يعني فهم شهداء الحج».