القاهرة | لا يبدو أن من نظموا الحملات الإعلامية الأخيرة التي أبدوا فيها تخوفهم من أن يكون البرلمان المصري المقبل معطلا لإنجازات الرئيس، عبد الفتاح السيسي، ورؤيته لتطوير البلاد، سيقلقون كثيراً. لذلك أسباب كثيرة، أولها أنه رسمياً ستغيب «جماعة الإخوان المسلمين» عن مشهد المنافسة، وربما تكون هذه المرة الأولى لغياب الجماعة التي كانت تصر على المشاركة في أي انتخابات حتى وإن كان معروفاً مقدماً أنها ستزور ضدها.
مع هذا الغياب الإخواني يعود بقوة رموز «الحزب الوطني» المحلول وبرلمانات حسني مبارك، ولكنهم كلهم يرفعون شعار خدمة وتأييد نظام السيسي. صحيح أن الحزب نفسه لم يعد لكن أعضاءه كوّنوا أحزاباً جديدة، أو انضموا إلى أحزاب قائمة، إضافة إلى منافستهم على المقاعد الفردية.
ووفق بعض الدراسات المبدئية للقائمة النهائية للمرشحين للبرلمان، هناك ما يقارب 100 قيادي في «الحزب الوطني» على قيد الترشيح الآن، وخطابهم الأساسي في الدعاية أنهم من قاموا وحرضوا على «30 يونيو» ضد «الإخوان»، ولكنهم عملياً يستندون إلى سابق علاقاتهم العائلية والعصبية في حشد التأييد.

الملمح الواضح للبرلمان العودة القوية لرجال مبارك بأموال إماراتية وسعودية

وبنظرة سريعة على المرشحين عامة، يتضح أنه برغم اختلافات الأيديولوجيا بينهم فإنهم يسيرون في اتجاه واحد وهو تأييد الرئيس، لدرجة جعلت عدداً كبيراً منهم يضع صور السيسي إلى جوار صوره في الدعاية الانتخابية. حتى إن الأحزاب السياسية المشاركة في القوائم تعمل غالبيتها على نشر أخبار توحي بأنها هي قائمة الرئيس، برغم أن السيسي نفسه أعلن أكثر من مرة أنه لا ينحاز إلى أي قائمة.
وبرغم أن النظام الانتخابي في مصر مختلط (يجمع بين نظامي الفردي والقوائم)، وهو الأمر الذي كان من المفترض أن يصب في مصلحة الأحزاب، فإن وفقا عمرو هاشم ربيع (الخبير في الشؤون البرلمانية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية)، قال إنه لن يكون لأي حزب أو فصيل سياسي أغلبية داخل البرلمان، لافتاً إلى أن قانون الانتخابات شجع الاتجاه الفردي. ومع أنه تتنافس 12 قائمة حزبية في تلك الانتخابات على مقاعد القوائم والتحالفات الحزبية الممثلة لقطاعات مصر الأربعة، على 120 مقعدا من أصل 586، لكن المنافسة الفعلية على مقاعد القوائم تنحصر بين قائمتي «في حب مصر»، وحزب «النور» السلفي.
«في حب مصر»، عملياً، هي القائمة الوحيدة التي تنافس في دوائر القوائم الأربعة (قطاعات القاهرة وشمال ووسط وجنوب الدلتا، وشمال ووسط وجنوب الصعيد، وغرب الدلتا وشرق الدلتا) على مستوى الجمهورية، وتحظى بدعم عدد من الأجهزة الأمنية والتنفيذية لكن بصورة غير معلنة، كما نجحت في ضم شخصيات سياسية معروفة، ولها رواج شعبي في دوائرهم، وكذلك في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى ضمها عدداً كبيراً من رجال الأعمال الذين يصرفون ببذخ على الدعاية، وهو ما يجعلها أوفر حظاً من غيرها من القوائم التي لا تتمتع بهذا القدر من الدعم، والأكثر من ذلك أنها حسمت 60 من مقاعد القوائم الـ120 قبل بدء الانتخابات. ويزداد حظ هذه القائمة في ظل انسحاب «صحوة مصر» التي يترأسها عبد الجليل مصطفى، وقد أعاد رفع شعار البديل المدني وأعلن دخول الانتخابات لمواجهة «فلول الحزب الوطني وبقايا الإخوان والسلفيين»، وذلك بالترشح على مقاعد دائرة شمال ووسط الصعيد الـ45 لتنحصر المنافسة على تلك المقاعد في: «في حب مصر»، و«الجبهة الوطنية»، و«تيار الاستقلال»، الى جانب مستبعدين كثر من «في حب مصر»، كما أن «قائمة الدولة» كما توصف، تقدمت منفردة بالترشح عن مقاعد دائرة شرق الدلتا الـ15، ولم يتقدم أحد لمنافسة تلك القائمة في هذا القطاع.
ووفقاً لقانون مجلس النواب، يشترط حصول القائمة الوحيدة أو المرشح المنفرد لأي دائرة على نسبة 5% من قاعدة بيانات الناخبين المُقيدين فى الدائرة المختصة، وإذا لم تحصل القائمة أو المرشح عليها، يفتح باب الترشح من جديد على هذه المقاعد.
في جهة أخرى، تقف قائمة حزب «النور» السلفية، التي تعاملت بذكاء بعدما قررت خوض الانتخابات في المناطق التي لها فيها نفوذ قوي. ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، أن «النور» سيحصل على نسبة في الانتخابات، لأن «باقي القوائم المرشحة، كائتلاف الجبهة المصرية وتيار الاستقلال أو التحالف الجمهوري للقوى الاجتماعية أو فرسان مصر... لا وجود سياسياً حقيقياً لها».
كل هذا الحديث هو حصراً عن القوائم التي لا تمثل أكثر من 20% من مقاعد البرلمان، وعلى خلاف 5% (28 مقعدا) يحق للرئيس تعيينهم، تكون النسبة الكبرى والغالبية في المجلس للمرشحين على المقاعد الفردية، وهو ما تجاهله عدد من الأحزاب، كما يرى الباحث أحمد عليبة في «المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية»، الذي يضيف أنه لا يمكن لأحد توقع من سيفوز بتلك النسبة «في ظل الصراع الرهيب لرأس المال السياسي عليها».
على هذا الجانب، علق قادة الأحزاب شماعة مشاركتهم المحدودة في الانتخابات، وذلك بتوجيه اتهامات مباشرة لأحزاب وقوى بالحصول على أموال من عدة دول خليجية في مقدمتها الإمارات والسعودية، لتمويل حملاتها. وخرج رئيس حزب «المحافظين»، أكمل قرطام، ليتهم صراحة أحزاباً من بينها «المصريين الأحرار»، المعروف بحزب رجل الأعمال نجيب ساويرس، و«الحركة الوطنية» ــ أحمد شفيق، وأيضاً «تيار الاستقلال» و«مستقبل وطن» اللذين يضمان شخصيات مغمورة لا يعرف عنها أكثر من مشاركتها في الحملات الإعلانية للترويج للسيسي وقت ترشحه لرئاسة البلاد، ثم لتعديل الدستور بعد إبداء الرئيس رغبته في ذلك، واتهموا جميعاً بالحصول على تمويل لحملاتهم الانتخابية من أبو ظبي.
بكل هذا التقديم، يبدو الملمح الوحيد للبرلمان المقبل هو العودة القوية لرجال نظام حسني مبارك، ولكن لخدمة النظام الحالي، بأموال إماراتية وسعودية، وهي تركيبة ستخدم على الصعيد الخارجي ما يريده الخليج من مصر في كل الملفات الإقليمية والدولية، وعلى الصعيد الداخلي مواصلة الحرب على «الإخوان» وتعزيز سيطرة الحكم.