القاهرة | برغم اختلاف الموقفين المصري والسعودي في عدد من الملفات الإقليمية في المنطقة، وأبرزها الموقف من الحل في سوريا والعلاقة مع إيران، تبدو الدعوة السلفية وحزب «النور» قادرين على تخطي هذه الخلافات والتنسيق مع كل طرف، الدولة والمملكة، على حدة.
خلافاً للموقف الرسمي المصري الرافض لرحيل الرئيس السوري، بشار الأسد، كشرط للحل، تتبنى الدعوة السلفية ومعها «النور» وجهة النظر السعودية ضد الأسد، لكن الحزب الذي دشن العديد من الحملات والمؤتمرات الجماهيرية لدعم «الثورة السورية» في بداياتها وإبّان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، فإنه عقب «30 يونيو» تراجع الاهتمام بالشأن السوري على مائدة السلفيين.
اللافت، الذي لا يعرفه كثيرون، أنه برغم تنظيم الرئيس الأسبق محمد مرسي مؤتمراً جماهيراً قبل عزله بـ18 يوماً لـ«نصرة سوريا»، فقد رفض «النور» المشاركة في المؤتمر برغم توجيه الدعوة الرسمية إليه. رفضٌ برره المتحدث باسم الحزب، نادر بكار، بالقول آنذاك: «نحن في قلب سوريا منذ عام ونصف عام بقادة الصف الأول، كما نتحفظ على فعاليات تقام في هذا التوقيت وتؤجج من نار الحشد والحشد المضاد قبل يوم ٣٠ يونيو، في الوقت الذي لا يتسق فيه مؤتمر الرئيس اليوم مع تصريحه السابق في موسكو من أن الموقفين المصري والروسي متطابقان».
في شأن آخر، فإنه يقابل الموقف السلفي الذي تغير من سوريا قبل عبد الفتاح السيسي وبعده، التصعيد في النبرة الحادة بشأن اليمن، تماشياً مع الهجوم السعودي المدعوم رسمياً من القاهرة، وهو ما يسهل التصعيد السلفي لصوت الحرب في اليمن. مثلاً، الحرب السعودية التي اندلعت فجراً، أعقبها بعد ساعات بيان تأييد من «النور» والدعوة السلفية، وساهم فهم السلفيين لدعم القاهرة للحرب، إلى إعلان موقفهم بصراحة، وهو ما تجلى في بيانات وتصريحات قادة الحزب التي تبنت وجهة النظر السعودية من دافع مذهبي.
مع كل هذا التماهي الظاهر، فإن علاقة «الدعوة السلفية» بالسعودية معقدة، لأنها أولاً تمثل امتداداً فكرياً ومادياً للمملكة في مصر. قد يمكن إثبات «الامتداد الفكري» بسهولة، لكن عن الجانب المادي» لا يمكن الجزم به دون مستندات تؤكد أو تنفي، مع أن ثمة شواهد أبرزها ما جرى في الشهر الأخير قبل عزل مرسي، من توقيف للرجل الأقوى في «الدعوة» ياسر برهامي، في مطار برج العرب، غرب الإسكندرية.
في ذلك اليوم، استنكر حزب «الحرية والعدالة» (إخوان مسلمين) توقيف برهامي، لكن مصادر عديدة في الحزب ادعت أن توقيفه جاء كرسالة لاقترابه من السعودية التي كانت تناوئ «الإخوان» في ذلك الوقت بسبب اقتراب تظاهرات «30 يونيو». أيضاً، فإن سفريات قادة «النور» إلى السعودية متعددة وغطاؤهم الحج والعمرة، وما وراءها هو التنسيق مع الأطراف السعودية المعنية.
وفي يونيو من العام الجاري، سافر برهامي ويونس مخيون (رئيس النور) إلى المملكة وقدما نفسيهما باعتبارهما الممثل الوحيد للإسلام السياسي في مصر، كما طلبا الدعم للحزب وللدعوة.
لكن لا يمكن القول إن «الدعوة السلفية» وقفت بجانب السعودية وحدها، فهي كما غالبية المؤسسات والهيئات المصرية في توافق نادر جمعها مع مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف، وتجلى ذلك مجددا في حادثة تدافع منى قبل أيام. «الدعوة» حملت على إيران بوصفها «الدولة الفارسية التي تتدخل تدخلاً سافراً حاقداً على حكومة الحرمين الشريفين، بغية إحداث فتنة طائفية لن يجني ثمارها إلا أعداء الأمة وفيهم الشيعة».
من الناحية السياسية، لا يزال «النور» يعتقد بحاجة النظام المصري له كواجهة للإسلام السياسي تخفف مناهضة النظام، كما يدرك أيضا أهمية السعودية كداعم مادي ومعنوي له، ويبدو قادراً إلى الآن على اللعب على وتر التناقضات بين المواقف الرسمية المصرية والسعودية، لكن وجوده في الساحة الداخلية صار يتآكل نتيجة غضب الإسلاميين من النظام، وتآكل قواعد الحزب الشعبية بسبب تراجعه في عدد من مواقفه الشرعية والفقهية، وتبني آراء مخالفة كان ينكرها قبل ذلك.
وآخر المعلومات تشير إلى تفاهمات جرت بين القاهرة و«النور» يحصل بمقتضاها الأخير على نسبة تراوح ما بين 5 ــ 10% من مقاعد البرلمان المقبل، سحب بمقتضاها «النور» بعض القوائم التي أعدها ورشحها بالفعل للانتخابات المقبلة، وهي تفاهمات يديرها من جانب الحزب، برهامي وبكار، ما يعني أنه إجمالاً من الصعب تأثر علاقة «النور» بالطرفين الرسميين في مصر والسعودية، فيما يهدد الحزب تآكل شعبيته في قواعد الإسلاميين العريضة.