رغم أن الاتفاق النووي مع إيران بات حقيقة منجزة، ولم تعد تنفع معه التحذيرات والانتقادات، فإن رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، جعل من خطابه في الأمم المتحدة، أمس، خطاباً بات أقرب إلى الشكوى والعتاب بعد فوات الأوان، فهو لم يتضمن تقديم سياسات عملانية مجدية، بل قدم مطالعة استدلالية تمحورت في معظمها حول الخطر الذي تمثله إيران، كما عرض مبررات الموقف الإسرائيلي المعارض للاتفاق الذي منح الشرعية الدولية لتحول إيران إلى دولة نووية، وسيعزز قدراتها الاقتصادية والمالية بعد رفع العقوبات عنها.
وفي ما يتعلق بالحركات الاستعراضية التي سبق أن فعلها نتنياهو في خطابات سابقة، تارة عبر رفع صورة قنبلة وأخرى عبر صورة لمنصة صواريخ، اختار نتنياهو هذه المرة أن يبدع عبر تعمده التزام الصمت في سياق خطابه، لأكثر من نصف دقيقة، أعقبه بإطلاق موقف بأنه في حال سكت العالم عن الخطر الذي تمثله إيران... «أنا لن أسكت».
نتنياهو شدد على أن الاتفاق النووي «لا يشجع على السلام وإنما على الحرب»، واستدل على ذلك بأنه منذ الإعلان عن الاتفاق المرحلي في لوزان الذي سبق الاتفاق النهائي «نقلت إيران المزيد من السلاح لقوات الحرس الثوري في سوريا وللنظام السوري، وللحوثيين في اليمن وأسلحة مضادة للطائرات لحزب الله وأسلحة ذكية من أجل أن يتمكن من استهداف إسرائيل بنجاعة، فهو هرّب إلى لبنان صواريخ سام ــ 22 لإسقاط طائراتنا، وصواريخ أرض ــ بحر من أجل إغراق سفننا. إيران زودت حزب الله بصواريخ أرض ــ أرض موجهة وطائرات من دون طيار هجومية من أجل إصابة أي هدف في إسرائيل بدقة». وأضاف: «إيران تساعد حركة حماس في غزة، وهي ساعدت حماس والجهاد الإسلامي في صناعة طائرات بلا طيار مسلحة في غزة وتعهدت بتسليح الفلسطينيين في الضفة الغربية، وإرسال جنرالات إلى هضبة الجولان».
كذلك اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي توجيه رسالة محددة تتصل بمرحلة ما بعد الدخول الروسي على خط المواجهة على الأراضي السورية، بالقول إن «إسرائيل ستواصل الرد بقوة على كل هجوم تتعرض له انطلاقاً من سوريا، وستواصل العمل على منع نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله عبر سوريا». واتهم إيران وحزب الله بأنهما يؤسسان خلايا «إرهابية» جديدة كل عدة أسابيع، مضيفاً أن إيران أنشأت عشرات الخلايا حول العالم، ولفت في الوقت نفسه إلى أنها فعلت كل ذلك خلال الأشهر الستة الأخيرة، عندما حاولت إقناع العالم برفع العقوبات عنها.
ومهّد نتنياهو في هذا الكلام لينتقل إلى التحذير من مرحلة ما بعد رفع العقوبات، وتساءل: «فقط تصوروا ماذا ستفعل إيران بعد رفع العقوبات؟»، مشدداً على أنه عندما «تتم إزالة الكوابح ستمزق إيران كل ما سيقف في طريقها، وستنفق مليارات الدولارات على السلاح وتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية». وتساءل أيضاً: «هل سيجعل تحويل الأموال إلى إيران النمر الجامح هراً صغيراً؟».
في هذا السياق، استحضر نتنياهو المواقف التي أطلقها مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي وأكد فيها أن سياسة إيران تجاه الولايات المتحدة لن تتغير، وأنها ستبقى عدوة لإيران؛ فوظف نتنياهو هذه المواقف من أجل أن يثبت أن الاتفاق النووي ورفع العقوبات سيعززان ما سمّاه «سياساتها العدوانية». وحذَّر نتنياهو من أنه «في حال لم تغير إيران سلوكها، ستصبح أكثر خطورة في السنوات المقبلة، والحدود ستزول تلقائياً في كل الأحوال، والنظام الإسلامي المتطرف سيكون على مسافة أسابيع معدودة من القنبلة النووية»، واصفاً ذلك بأنه «غير منطقي».
أيضاً، فإنه رأى أنه «عندما تتلقى جائزة على سلوك سيّئ، فإن ذلك سيفاقم الخطر. الخطر الأكبر الذي يواجهه العالم اليوم هو المزج بين الإسلام المتطرف والسلاح النووي.

«هل سيجعل تحويل الأموال إلى إيران النمر الجامح هراً صغيراً؟»
العبرة الأهم من التاريخ هي أن النيات الجيدة لا تمنع بالضرورة النتائج السيئة». وتابع قائلاً: «أغلب الإسرائيليين يرون أن الاتفاق سيّئ جداً، وما هو أكثر سوءاً أننا نرى العالم يحتفل بهذا الاتفاق، ويسارع إلى تنفيذ صفقات مع نظام يدعو علناً إلى إزالتنا من الوجود»، ثم استحضر في هذا السياق كلام السيد خامنئي عن عدم بقاء إسرائيل خلال 25 سنة مقبلة.
في هذه المرحلة من الخطاب، توجه نتنياهو إلى الحضور وقال لهم: «أنتم سكتم على الخطر الذي تشكله إيران على إسرائيل والعالم الغربي»، ثم صمت لأكثر من نصف دقيقة، وقال: «إذا أنتم سكتم، أنا لن أسكت».
بعد ذلك، انتقل إلى مرحلة استعراض العضلات الإسرائيلية، مؤكداً أن إسرائيل لن تسمح لإيران بالزحف نحو سلاح نووي، رغم أن إيران تعلن رسمياً أنها لا تريد إنتاج أسلحة نووية، الأمر الذي يعني أن نتنياهو تعهد بمنع إيران من إنتاج ما لا تريد إنتاجه. ولفت إلى أن منع إيران من الوصول إلى السلاح النووي لا يزال السياسة الرسمية للمجتمع الدولي، مشدداً على أنه «ممنوع أن يشكك أحد في استعداد إسرائيل للدفاع عن نفسها».
نتنياهو توجه إلى القادة الإيرانيين بالقول: «خطتكم لإزالة إسرائيل ستفشل، ولن تسمح إسرائيل لأي قوة في العالم بتهديد مستقبلها»، مضيفاً: «رسالتي إلى كل الدول هنا أنه رغم أي قرار ستتخذونه هنا وأي قرار ستتخذونه في عواصمكم، فإن إسرائيل ستفعل كل ما ينبغي من أجل الدفاع عن الدولة والشعب».
ودعا المجتمع الدولي إلى فحص «السياسة العدوانية الإيرانية» في المنطقة، واستخدام العقوبات «وكل ما بحوزتكم من أدوات من أجل تفكيك شبكات الإرهاب العالمية لإيران». وانتقل إلى الحديث عن النهج الذي يعمل على الترويج له بهدف المساواة بين إيران وحلفائها وبين «داعش»، مؤكداً «وجود التعاون مع شركائنا العرب من أجل مواجهة التهديدات الأمنية من إيران وداعش».
وأضاف: «نعمل مع دول أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وما وراء ذلك. كثيرون في المنطقة يعرفون أن إيران وداعش هم أعداؤنا المشتركون». وكرر مقولته الدائمة: «عندما يتقاتل أعداؤك بعضهم مع بعض، لا تدعم أحدهم واتركهم كي يضعفا كلاهما».
ولفت إلى أنه في الوقت الذي نتعاون فيه أمنياً مع شركائنا العرب، «آمل بناء شبكات من التعاون الإقليمي»، مشدداً على أنهم في إسرائيل لا ينسون أن الراعي الأهم بالنسبة إلى إسرائيل كان وسيبقى الولايات المتحدة، كذلك شدد على أن التحالف بينهما غير قابل للتفكك. ونبّه إلى أنه والرئيس الأميركي باراك أوباما متفقان على ضرورة إبعاد السلاح عن «وكلاء إيران». ورأى أن «الخلافات في الآراء بيننا إزاء الاتفاق النووي هي مجرد خلافات داخل العائلة الواحدة، ولا يوجد خلاف حول ضرورة العمل معاً من أجل ضمان مستقبلنا المشترك».

اتهم نتنياهو «أبو مازن» بأنه غير مستعد للجلوس إلى المفاوضات

وكما كان متوقعاً، خصص نتنياهو جزءاً من خطابه للرد على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مؤكداً استعداده للعودة فوراً إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين من دون شروط مسبقة، مع أن نتنياهو نفسه هو الذي يضع العديد من الشروط لأي اتفاق نهائي مع السلطة، كالتي تتصل بالاعتراف بيهودية الدولة والترتيبات الأمنية الواسعة التي لا تبقي أثراً للسيادة الفلسطينية المفترضة.
ورغم سياسة الإذلال التي تتبعها إسرائيل، وهو شخصياً، مع الفلسطينيين عموماً، وحتى مع السلطة، اتهم نتنياهو «أبو مازن» بأنه غير مستعد للجلوس إلى المفاوضات، متجاهلاً حقيقة أن لعبته باتت، وكانت، مكشوفة، خاصة أنها تقوم على الاستمرار في المفاوضات من دون أفق زمني أو أي نتائج، وفقط من أجل العلاقات العامة واستخدامها كغطاء للسياسات الإسرائيلية الاستيطانية.
نتنياهو كرر الضريبة الكلامية حول تمسّكه بمبدأ الدولتين، «دولة فلسطينية منزوعة السلاح، تعترف بالدولة اليهودية»، وتجاهل حقيقة أن عباس قدم الكثير من التنازلات الأساسية التي تتصل بحقوق الشعب الفلسطيني، وأن عدم التوصل إلى اتفاق نهائي يعود إلى المبالغات الإسرائيلية، حتى إن المتمسكين بخيار التسوية مع إسرائيل لا يستطيعون قبولها أو الترويج لها داخل الشعب الفلسطينيي، وهو اختار منصة الأمم المتحدة من أجل اتهام السلطة الفلسطينية بأنها رفضت مراراً وتكراراً إنهاء النزاع والتوصل إلى السلام مع إسرائيل مع ستة رؤساء حكومة إسرائيليين. وكما هو متوقع، أعرب نتنياهو عن تمسكه بـ«الوضع الراهن في الحرم القدسي»، ومهد بذلك لتوجيه الاتهام إلى الفلسطينيين بأنهم يمارسون التحريض والسبب في حالة التوتر التي تشهدها القدس وليس اقتحام المستوطنين للحرم.