تواصل حكومة العدو الإسرائيلي محاولات فرض معادلاتها في المسجد الأقصى ابتداء ثم مدينة القدس المحتلة، برغم حرصها على ألا يؤدي ذلك إلى انفجار شعبي فلسطيني واسع. وهي تمضي في خياراتها، ورهاناتها قائمةٌ على إجراءات السلطة في رام الله (التنسيق الأمني)، والواقع الضاغط على الفلسطينيين في الضفة المحتلة وقطاع غزة، إضافة إلى الواقع الإقليمي المشغول عن فلسطين وقضاياها، وكذلك الدولي المتفهم الذي يوفِّر الغطاء على سياسات العدو.
وتتقن الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، استغلال الظروف الحالية من أجل فرض أطماعها في الأقصى، وليس الحديث عن التقسيم الزماني والمكاني في المسجد مجرد فرضية أو اتهام ظني موجه ضد إسرائيل، بل ظاهرَ أداء يمارسه الصهاينة في فلسطين المحتلة، كما بات عنواناً يجاهرون به على المستويين الرسمي والحزبي. وكما في كل إجراء قمعي تعمل إسرائيل على قوننته ليتحول من اعتداء منظم إلى تطبيق لقانون فرضه الاحتلال، فإنها ضمن خطتها لتهويد الأقصى وبسط سيطرتها عليه، طرحت عام 2012 مشروع قانون في الكنيست لتقسيم المسجد زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود. لكن التطبيق العملي سبق سن القانون عبر اقتحامات المستوطنين تحت رعاية حكومتهم. وكان المشروع يتضمن تخصيص وقت لكل من المسلمين واليهود، بما يشبه ما فرضه الاحتلال في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل.
وفعلياً بدأ العدو تنفيذ خطة أوسع، في مرحلة ما بعد اتفاق أوسلو، عبر عزل كل القدس عن الضفة، ثم إقامة جدار الفصل والعقبات والحواجز التي وضعها لمنع وصول الفلسطينيين إلى الأقصى. وتجنباً لرفع شعار السيطرة على الأقصى أو هدمه من أجل بناء الهيكل، عمدت إسرائيل إلى تلطيف مخططها عبر تقسيم زماني ومكاني للمسجد، ومنع منظم للمسلمين في التوجه إليه، وفرض أوقات يُسمح فيها لليهود باقتحامه تحت عنوان زيارته.

طلب نتنياهو
من الجهات القضائية دراسة إجراءات فتح
النار لتعديلها
خطورة هذه المرحلة أنه في حال استطاعت إسرائيل أن تفرض ما تطمح إليه، سيتكرس هذا الواقع إلى أمد غير منظور. ومع أن العنف هو ديدن الأجهزة الإسرائيلية تاريخاً وحاضراً، فإنها في مواجهة الفلسطينيين تستند إلى مجموعة من الاعتبارات تجعل خلفية وهدف كل صور العنف الإسرائيلي تصب في اتجاهات مدروسة. فمن جهة، أظهرت إسرائيل تصميماً على المضي في مخططها المتصل بالأقصى، وسائر القضايا الأخرى، وخاصة أنها ترى في الظروف السياسية الحالية فرصة إقليمية ينبغي ألا تفوتها، فقد لا يتكرر مثلها لاحقاً.
في الوقت نفسه، تتعامل إسرائيل مع فلسطينيي الداخل (1948) بكراهية وحقد، يتجسدان بأداء أجهزتها القمعية في ما يتعلق بمواجهات الأقصى، أو أي تحدّ آخر يتقابل فيه الطرفان. وليست هذه الذهنية مجرد حالة عابرة في الوجدان الإسرائيلي، بل نتيجة لعنصرية متجذرة، وبناء على نظرة متأصلة في وعي المؤسسة الإسرائيلية بكل فروعها السياسية والأمنية والإعلامية إلى فلسطينيي الداخل، باعتبارهم عقبة أساسية أمام مخططاتها، ومصدر تهديد كامن يمكن أن ينفجر في حال نضوج الظروف المحيطة التي قد ترفدها بأسباب القوة والاحتضان.
وسط كل ذلك، تحرص إسرائيل في ساحات المواجهة على أن تكون في موقع من يملي حدود الردع، وخاصة أن أكثر ما تخشاه هو الأداء الذي ينطوي على رسالة ضعف يرى فيها فلسطينيو الداخل مؤشراً على تراجع قدرة الردع الإسرائيلية وأرضية تسمح لهم بالرهان على الضغوط التي يمكن أن تتراجع أمامها القيادة الإسرائيلية. من هنا، نلاحظ المسار التصاعدي للإجراءات العدوانية في مواجهة التحرك الاحتجاجي في القدس. وبرغم أن إسرائيل تسعى إلى منع اتساع نطاق المواجهة لتشمل كل فلسطين، فإن هذا الحرص ليس على حساب تنفيذ مخططاتها. نتيجة ذلك، هي تعمل على أن يتكامل خطابها السياسي والإعلامي مع أدائها الأمني، وبما يؤدي إلى قمع الحركة الاحتجاجية الفلسطينية ويكرس الواقع الذي تفرضه في الأقصى.
في هذه الأجواء، طلب نتنياهو في ختام جلسة الحكومة، أمس، من الجهات القضائية، دراسة إجراءات فتح النار القائم حالياً لتعديلها في مواجهة حركة الاحتجاج في القدس. وستنقل القضية إلى المستشار القضائي للحكومة يهودا فاينشتاين. يأتي هذا بعد الحديث عن فرض عقوبات مشددة على رماة الحجارة، وبرر ذلك نتنياهو بالقول إن «الحجارة والزجاجات الحارقة هي سلاح قاتل، وهي قتلت وتقتل، ونتيجة ذلك عدلنا في الأيام الأخيرة تعليمات فتح النار للشرطة في القدس»، في إشارة إلى إمكانية استخدام الرصاص الحي بدلاً من المطاطي. وقد توسع في اليومين الماضيين الاستهداف في القدس خارج أسوار الأقصى، وعمدت قوات العدو إلى هدم خمسة محالّ تجارية فلسطينية في بلدة حزما، شرقي المدينة، بدعوى «البناء من دون ترخيص»، وهو إجراء معتاد لكنه يأتي الآن ضمن حزم العقوبات الجماعية. كما اعتقلت شرطة العدو 27 فلسطينياً من المدينة.
على الصعيد السياسي (الأخبار)، قال العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) أحمد الطيبي، إن وفداً يضم عدداً من النواب العرب، بدأ أمس، جولة تشمل الأردن وتركيا، لتوضيح «المخاطر التي تتهدد المسجد الأقصى»، مشيراً إلى أنهم التقوا الملك الأردني، عبدالله الثاني، على أن يلتقوا لاحقاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقال الطيبي: «اخترنا الأردن وتركيا، بوصفهما دولتين مهمتين في المنطقة، بالإضافة إلى قدرتهما الكبيرة على التأثير في لجم التجاوزات ضد المسجد الأقصى».