موقف رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوربان هذا، الذي جاء في مقالة نُشرت أمس في صحيفة «فرانكفورتر زايتونغ» الألمانية، ربما كان الأصدق تعبيراً عن حقيقة موقف النخب الأوروبية الحاكمة، التي تُكثر من الحديث عن «قيمها» الإنسانية، فيما هي قد تذهب إلى الحرب لتستبيح حدود الدول على الضفة المقابلة من البحر المتوسط، وتفتحها أمام شركاتها ورساميلها ومنتجاتها، فيما هي ترفع أسوارها بوجه أولئك الهاربين من نار حروبها، ومن الموت جوعاً نتيجة الإفقار الذي تكرّسه وتفاقمه سياسات «الشراكة» التي تفرضها على هذه الدول.
وفيما ينتقد بعض القادة الأوروبيين، لأغراض الاستهلاك الإعلامي، السور الذي ترفعه هنغاريا بوجه المهاجرين الآتين من صربيا، فهم يعملون فعلياً على رفع هذه «الأسوار»، بمختلف أشكالها، التي تسمح باستمرار رفاهية الحياة الأوروبية، على حساب الدول المُفقرة عبر البحر المتوسط وفي أماكن أخرى من العالم، إلى حيث حمل الرجل الأبيض «عبئه» الشهير.
أعلنت أمس ألمانيا وفرنسا اتفاقهما على مبدأ إلزام دول الاتحاد الأوروبي باستقبال «حصص إلزامية» من اللاجئين «الشرعيين»، وفي الوقت نفسه، تطوير العمل على مكافحة الهجرة «غير الشرعية»، أي تلك الناجمة عن أسباب اقتصادية «بحتة». وقالت المستشارة الالمانية، أنغيلا ميركل، إنها اتفقت مع الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، على إبلاغ المؤسسات الأوروبية موقفاً مشتركاً يقضي بوجوب حماية «الذين هم بحاجة إلى حماية»، حسبما ترتئي السلطات الأوروبية، وأن الاتحاد الأوروبي «بحاجة إلى حصص ملزمة لتقاسم الواجبات؛ وهذا مبدأ التضامن... من المؤكد أن القوة الاقتصادية تؤدي دوراً هنا، وكذلك حجم البلد، لكن دون (فرض حصص إلزامية)، لن يكون بوسعنا تسوية هذه المشكلة (الهجرة)». وحرصت ميركل على أن توضح أن «الذين يأتون لأسباب محض اقتصادية لا يمكنهم طلب حماية دائمة، وعليهم مغادرة البلاد». ومن جهتها، أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان أن باريس وبرلين سترفعان إلى المفوضية الأوروبية «اقتراحات مشتركة لتنظيم استقبال اللاجئين وتوزيعهم بشكل عادل في أوروبا»، وكذلك «لتقريب معايير» اللجوء «الشرعي»، مضيفة أن المبادرة تهدف أيضاً إلى «ضمان عودة اللاجئين غير الشرعيين إلى بلادهم الأم».

اتهم أردوغان
الدول الأوروبية بتحويل المتوسط الى «مقبرة»

وفي هذا الوقت، أعلنت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، أنها ستتقدم لاجتماع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي (الذي انعقد في لوكسمبورغ يوم أمس) باقتراح للشروع في تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة التي وضعتها المفوضية الأوروبية لمواجهة موجة الهجرة «غير الشرعية» عبر المتوسط. وأوضحت موغيريني أن هذه المرحلة «تتمثل بجمع المعلومات حول المهربين وتجار البشر في البحر المتوسط، وتبادلها بين السلطات الأمنية الأوروبية، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي محاربة المهربين والمتاجرين في أعالي البحار». وكان السفير الروسي في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، قد أعلن يوم الأول من أمس عزم مجلس الأمن على إصدار قرار يجيز للاتحاد الأوروبي التدخل العسكري في المياه الدولية في البحر المتوسط، وذلك لمكافحة تهريب المهاجرين «غير الشرعيين». وقال تشوركين، الذي تولت بلاده في مطلع الشهر الجاري الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، إن مشروع القرار الذي يعتزم المجلس إقراره «محدود أكثر» من المشروع الذي طرحه الأوروبيون في بادئ الأمر، ذلك أنه سيجيز للبحرية الأوروبية التدخل ضد سفن المهربين «في أعالي البحار وليس في المياه الإقليمية» الليبية، دون أن يعطي تفاصيل إضافية عن مشروع القرار الذي رجّح إقراره الشهر الجاري. وتجدر الإشارة إلى أن القادة الأوروبيين كانوا قد ناقشوا، تحت عنوان مكافحة الهجرة، التدخل العسكري ليس فقط في المياه الإقليمية الليبية، بل التوغل في عمق الأراضي الليبية، ما أثار حفيظة روسيا، التي ارتابت من أن يشكل قرار من هذا النوع غطاءً لتدخل عسكري أوسع في نطاقه وأهدافه السياسية.
وفي موقف لافت، اتهم أمس الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الدول الأوروبية بتحويل المتوسط إلى «مقبرة للمهاجرين»، مندداً بالمعايير التي تعتمدها في منح صفة اللجوء أو حجبها عن الوافدين إلى أراضيها، هرباً من الحروب أو من انقطاع سبل العيش. «أنا، بالتأكيد، لا أعتبر الطريقة التي تصنِّف بها بعض الدول الأوروبية اللاجئين، وتقبل بعضهم وفقاً لمؤهلاتهم، (طريقة) إنسانية»، قال أردوغان، مندداً بتعامل أوروبا مع المهاجرين كـ«منتجات زراعية» مثلاً، داعياً السلطات الأوروبية إلى استقبال المهاجرين «كبشر، دون تمييز». ويأتي كلام أردوغان قبل يوم من استضافة بلاده اجتماعاً لوزراء الاقتصاد ومحافظي المصارف المركزية لـ«مجموعة الدول العشرين».