قبل سنوات الحرب كانت المؤشرات الاقتصادية تبشّر بقطاع يمكن أن يبيض «ذهباً» لسوريا، فالبلاد كانت تحتل المرتبة الرابعة عربياً في إنتاج الفروج والبيض، والأولى لناحية صادرات بيض المائدة. إذ وصل حجم الاستثمارات في هذا القطاع إلى نحو 150 مليار ليرة، فيما تجاوزت قيمة صادراته 250 مليون دولار، لكن الحرب وتداعياتها ألحقت أضراراً جسيمة بالدواجن كان أهمها تراجع الاستثمار فيه لنحو 70%.
«غلاء الأعلاف والمازوت وأجور النقل عرّض المربين لخسائر فادحة، خاصة بعد إغلاق معبر التنف (على الحدود العراقية)»، يقول حكمت حداد عضو لجنة الدواجن. ويضيف: «حجم السوق المحلية صغير، والتربية أصبحت قليلة بفعل توقف المداجن في عدة محافظات، فضلاً عن توفير المناطق الشمالية لحاجتها من تركيا». ويوضح أحد المربين من منطقة يبرود أن «الاعتداءات المتكررة على مداجنه منعته من العمل فترة طويلة، لكن حينما سنحت الفرصة عاد لمزاولة المهنة». أما المربي حسن خير بيك، من حماه، فيقول: «أعمل ضمن ظروف مستقرة، لكن المشكلة بنقل الإنتاج إلى المحافظات الأخرى، فالسائقون يطلبون أجوراً فلكية سيتحمل المستهلك جزءاً من تكلفتها حكماً».

نكسات متكررة

يعد قطاع الدواجن أكثر قطاعات الثروة الحيوانية تضرراً خلال سنوات الحرب، وبحسب سراج خضر، المدير العام للمؤسسة العامة للدواجن، فقد كانت «هناك خسارة لمنشآت كانت تغطي 60% من حاجة البلاد، وكل ذلك بسبب الاعتداءات الإرهابية وعدوان التحالف الدولي»، ليضيف أن «تدمير الحظائر وتعرض المربين للخطف والابتزاز دفع بعضهم إلى الهجرة، ولم تعد تتجاوز طاقة المداجن 40%، ما أوجب استيراد قطعان التربية من الدول المجاورة بشكل زاد التكلفة، التي تضاعفت بعد الاعتماد على استهلاك المازوت المرتفع السعر أن وجد».
نكسات قطاع الدواجن المتكررة يتحدث عنها رئيس لجنة مربي الدواجن، نزار سعد الدين، فيشير إلى أن «الاعتداءات الإرهابية وخروج بعض المزارع عن الخدمة والعقوبات الاقتصادية سببت تراجع مصلحة الدواجن، ليقتصر توزيع الإنتاج على المناطق الآمنة بينما كانت تصل المنتجات للمناطق الشمالية والشرقية من تركيا». لكن رئيس اتحاد الغرف الزراعية، محمد كشتو، يبدو أكثر تفائلاً بتحسن واقع مهنة الدواجن، مستنداً برأيه إلى معادوة التصدير إلى دول الجوار، فالمشكلة الأساسية سببها دخل المواطن المنخفض والحرب القائمة.
حاولت الحكومة وقف الانهيار المتدرج لقطاع الدواجن، فأعفت المربين من ضريبة الدخل لخمس سنوات وخفضت الرسوم المفروضة على التراخيص وغيرها من إجراءات لم يجدها المربون كافية لدعم هذا القطاع، والذي يؤكد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية همام الجزائري أن «حمايته كانت بمنع استيراد الفروج والبيض، بحيث لم تمنح أي إجازة استيراد، بل قدمت تسهيلات لترميم سلسلة الإنتاج لتستكمل بتمويل الإجازات عبر خفض تكاليف استيراد الأعلاف». ورغم هذه الإجراءات، يرى الجزائري أن «الحماية وحدها لا تكفي، ما يوجب تمكين النشاط الإنتاجي محلياً وعدم السماح باستيراد منتجات بديلة».

العقبة الأكبر

يأتي ملف توفير الأعلاف وأسعارها في صدارة المشاكل التي تواجه قطاع الدواجن، والتي كان لها أثر مباشر في عزوف كثير من المربين عن الاستمرار في هذه المهنة. فاليوم سعر كيلو الذرة يصل إلى 80 ليرة، وفول الصويا ما بين 170-180 ليرة حسب حكمت حداد، ليبين أن هذه الأسعار ليست مرتفعة قياساً بالسعر العالمي، لكن السبب هو فرق سعر الدولار. أما خضر، فيرجع غلاء الأعلاف وعدم توافرها إلى إجازات الاستيراد، مطالباً وزارة الاقتصاد بمنحها لأكثر من مستورد، وخاصة كبار المستوردين الذين يملكون مستودعات كافية، فوجودهم حسب رأيه يمنع تحكم تجار الأزمات بأسعار المواد العلفية.
يرفض الجزائري هذا الاتهام، ويؤكد: «لا نمنع أي مستورد من الحصول على إجازات استيراد للأعلاف ما دام استكمل الوثائق المطلوبة والتزم معايير محددة كتوفير مستودعات وعدد العمال المسجلين بالتأمينات، فلا يجوز استيراد حمولة شاحنة تقدر مثلاً بنحو 120 مليون ليرة ولا يسجل المستورد 10 عمال في حد أدنى في التأمينات الاجتماعية، والوزارة مصرة على هذه السياسة دون التشدد فيها، فالمهم توافر المادة». ويؤكد أن «البلاد مليئة بالأعلاف التي تشكل 30% مما يتم تمويله من المصرف المركزي و10% من المستوردات»، ليبين أن المطلوب تكافل المربين لاستيراد الأعلاف دورياً لكسر احتكار التجار، لكن ليس على حساب كبار المستوردين الذين راكموا خبرات كبيرة بطريقة استيراد الأعلاف سعراً ونوعيةً.
طرح يجده حداد مجرد «أفكار غير قابلة للتطبيق، فالمربي على قد حاله ولا يستطيع استيراد كميات كبيرة أسعارها الفلكية»، مطالباً بأن تكون «الأعلاف خارج برنامج تمويل المستوردات، مع قيام مؤسسة الأعلاف بشرائها من التجار ليصار إلى تجزئة الكميات وبيعها للمربين بأسعار مقبولة».
مع تحسن الأوضاع العامة للبلاد وتعاون الحكومة لحل مشاكل القطاع، شهد عام 2014 تحسناً ملحوظاً، بدليل تقدم المربين بطلبات لتصدير البيض، وهو ما وافقت عليه الحكومة عبر منح مزايا تدريجية للمحافظة على استقرار السوق المحلية، إلا أن إغلاق المنافذ الحدودية أثر سلباً، وهو أمر يجده الوزير الجزائري تحدياً يجب أن تكون الحكومة مستعدة له بقدراتٍ تصنيعية وتخزينية.
ويقول خضر، في هذا السياق، إنّ «هناك من يترصد أي تحسن لتضيق الخناق على سوريا، فمؤسسة الدواجن كانت أرسلت أول براد إلى العراق لكنه أرجع مع 12 براداً آخر للقطاع الخاص بالتزامن مع إغراق السوق العراقية بالبيض التركي والأوكراني بأسعار مخفوضة». وهنا يبدي الجزائري تفاؤلاً بتحسن واقع التصدير قريباً نتيجة سعي الحكومة لإعادة فتح معبر التنف الذي يتوقع إعادة تفعيله بأي لحظة.