غزة | يحمل ياسر على كتفيه كمّية من الحطب، ويسير متعرّجاً فوق حفر أحدثتها الصواريخ الإسرائيلية شرق دير البلح. تجاعيد وجهه، وألوان بشرته، التي اكتست بالأسود، تروي معاناة 9 أشهر من إشعال النار بطرق بدائية في الحرب، وسط ندرة غاز الطهو في قطاع غزة. وذلك بعد أن استهدف الكيان الصهيوني، في حرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني، محطات الوقود، إذ أخرج غالبيتها من الخدمة.

ولجأ الغزيون لاستخدام الحطب بدل الغاز في إشعال النار، لقضاء أمورهم اليومية كالطبخ وغيره، ما أثّر على الحالة الصحية لدى الكثير من النساء والأطفال، فأصيب بعضهم بأزمات تنفسية، وأمراض كالربو.
ياسر العمران (37 عاماً) جمع أكبر قدر ممكن من الحطب، لمساعدة زوجته ووالدته في إشعال الحطب، التقيناه وهو يحمل الحطب، فقال لـ«الأخبار»: «يومياً أخرج في الصباح، لأجمع الحطب، فأتعرض لخطر الموت من جنود الاحتلال الذين يطلقون النيران عل كل ما يتحرك، سواء شرق دير البلح أو قرب حاجز نتساريم شمال غرب مخيم النصيرات»، ويُرجع ياسر سبب مخاطرته في جمع الحطب، إلى غلاء الأسعار، إذ يراوح سعر الكيلو ما بين 5 و6 شيكل (الدولار الواحد يعادل 3،7 شيكل).
ويحتاج ياسر يومياً إلى 3 كيلو حطب، وهو غير قادر على دفع ثمنها، إذ يؤكد أنه مرتفع جداً. يُلقي ياسر الحطب على الأرض، ويطلق تنهيدة من أعماق قلبه، وهو يردد «تجار الحرب ذبحونا، مضلش معنا مصاري نشتري غاز للطهو إن وجد أصلاً».
وعن أزمة الغاز، يشير ياسر إلى أن التجار يستغلون حاجة الناس بشكل لا يطاق، فكيلو الغاز كما أعلنته لجان الطوارئ التي تأسّست في الحرب هو 7 شيكل فقط. لكن سعر الكيلو في السوق السوداء وصل إلى 45 شيكلاً، وهو يزيد أو يقل بحسب مزاج البائع.
لا يختلف هاني أبو رزق كثيراً عن ياسر: «أنا نازح من شمال غزة، وأعيش أزمة غاز خانقة في خيمتي، فعائلتي تطهو الطعام وتصنع القهوة والشاي على الحطب، وسبّب ذلك أزمات صحية للأطفال وللنساء». ويوضح أن أمراض الجهاز التنفسي، كالربو، انتشرت بين النازحين، و«هناك أعراض لحساسية مفرطة تظهر على أجساد الأطفال، لم نشاهدها من قبل».
ويعتقد أبو رزق أن استمرار أزمة غاز الطهو، تنذر بخطورة كبيرة على حياة وصحة آلاف النازحين. ويقول: «نحن نتمنى رؤية الغاز، فقد بات من أحلامنا البعيدة في ظل دخول كميات قليلة جداً، ومع ذلك يتم استغلال هذه الكميات بشكل كبير من تجار الحرب»، مبيّناً أن الغاز حين يتوفر، يُوزع بطريقة غير واضحة، كما أن الأسعار باتت ترتفع بشكل غير معقول. ولعل حكاية أبو أنس (27 عاماً) وشقيقه أبو كنان (25 عاماً) تدلل على ما قاله أبو رزق. فقد استغل الشقيقان فرصة انتشار رابط عبر الإنترنت للتسجيل، من أجل الحصول على 8 كيلو غاز، وبالفعل، سجلّا معاً، وانتظرا دورهما، لكنّ المفاجأة حدثت بعد أسبوعين، عندما ظهر اسم أبو أنس، فيما شقيقه ظل ينتظر دوره في تعبئة الأنبوبة.
ويذكر أبو أنس، أنه عندما عاد إلى خيمته حاملاً على كتفيه أنبوبة الغاز، ظهرت الابتسامة على وجه زوجته، وأطلقت زغرودة، كما أنها كادت تبكي من فرحتها التي عمّت الخيمة، وكل هذا من أجل 8 كيلو غاز، حصلت عليها العائلة بعد نحو 9 أشهر من استخدام الحطب، وتوضح مدى صعوبة الموضوع بالقول: «الحمد لله خلصنا من صعوبة إشعال النار والدخان ووجع العينين والنفخ والرائحة الكريهة». لم تدم فرحة أم أنس طويلاً، فقد أخبرها زوجها، بضرورة تقنين استخدام الغاز، وحصره بالأشياء الضرورية جداً، وذلك لعدم توفّره، مع تنبيهه لها، بأنهم من الممكن أن يعودوا إلى استخدام الحطب.
فرحة عائلة أبو أنس، كان لها مثيل في خيمة أبو معاذ المجاورة. فقد ظهر اسمهم لتسلم الغاز، لكن فرحتهم ظلت ناقصة، فليست لديهم «قنينة» خاصة بهم، فاضطروا لاستعارة واحدة لقريبهم سعة 12كغ، ويوضح أبو معاذ مشكلته: «أنا فرحان عشان طلعلي 8 كيلو غاز؛ لكن أنا حزين لأن توفير أنبوبة غاز فارغة يحتاج إلى نحو 250 شيكلاً، وهذه التكلفة العالية، تكسر ظهورنا في ظل الأزمات التي نعيشها».
أزمة الغاز، برّزت مهنة تعبئة الأنابيب، التي باتت توفر فرص عمل لكثير من النازحين، إلا أن الإشكالية في أصحاب هذه المهنة، أنهم يستغلون حاجة النازح، فبدلاً من بيع كيلو الغاز بسعره الطبيعي، أصبح سعره أضعافاً مضاعفة، ما زاد الأمر سوءاً على النازحين بشكل كبير. وهذا ما جعل كل من قابلتهم لإعداد هذه المادة، وغيرهم من الناس، في القطاع، يطالبون بضرورة فتح المعابر، وإدخال غاز الطهو بكميات كبيرة يومياً لإنقاذ النازحين من مخاطر جمة، سواء كانت صحية أو اقتصادية.