الهدهد طائر تراثي، مذكور في القرآن الكريم، وفي الأسفار والكتب القديمة. وعلاقة الناس بالهدهد، عادة ما تستند إلى الأساطير والروايات الشعبية، ذات الدلالات الإيجابية غير الموجودة في الغرب، إذ يعتبر أن الهدهد طائر معادٍ مخيف ومثير للتشاؤم والقلق. لكنه في ثقافة البلاد وما حولها، يحمل الهدهد الدلالات الإيجابية، المعبّرة عن الصدق والسعادة والحظ السعيد والخجل والوقار.لهذه الأسباب وغيرها، أُطلق اسمه على عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية، واستُخدم في عنونة أو تراكيب عناوين عدة كتب من الروايات والقصص والقصائد.
وهو الطائر الذي قال عنه الشاعر حافظ الشيرازي:
«لك البشرى يا قلبي، فقد عادت ثانية ريح الصبا
وقد رجع الهدهد السعيد بالأنباء السعيدة من سبأ»

وقال عنه الشاعر محمود درويش:
«من قيدنا المكسور، أسرى ما نحب وما نريد أن نكون
لكنّ فينا هدهداً يملي على زيتونة المنفى بريده»

ويقول أيضاً درويش:
«يا هدهد الأسرار علّق وقتنا فوق المدى، حلّق بنا
إن الطبيعة كلها روح، وإن الأرض تبدو من هنا»

وبعد استخدام الهدهد، دينياً وسياحياً وأدبياً، بات الآن دليلاً هادياً تستخدمه المقاومة في الجانب العسكري، كونه سريع الحركة والطيران، ويستطيع التخفّي والتمويه، والتحليق عالياً في الليل والنهار.
تمكّن هدهد المقاومة في جولته التي شهدنا منها بعضها، ضرب فكرة تفوق سلاح الجو الإسرائيلي، بعد أن حلّق على علو شاهق ومنخفض، وصوّر ميناء حيفا، وتجمع «الكريوت»، ومجمع صناعة الأسلحة التابع لشركة «رفائيل»، وبوارج ومطارات و«مقلاع داوود» و«القبب الحديدية»، ومنشآت استراتيجية عسكرية واقتصادية، ومحطات وقود وكهرباء، وغيرها من المواقع التي لم يُكشف عنها بعد، فما «ما رجع به الهدهد» فيه المزيد المزيد، وهذا ما أشار إليه وأعلنه السيد حسن نصرالله.
الفيديو الأول الذي نشره حزب الله لما صوّره «الهدهد» أكد بما أفصحت عنه المشاهد، تآكل منظومة الردع، وضعف الدور الوظيفي، وسردية الأمن والسيطرة الإسرائيلية. كما رفع الفيديو الأول، من «ما رجع به الهدهد»، منسوب الأمل لدى الصامدين والمقاومين في قطاع غزة وباقي فلسطين وفي لبنان والعالم العربي والإسلامي، وزاد من الإحباط لدى الجيش والمستوطنين، خاصة في المنطقة الجغرافية التي حلّق فوقها «هدهد المقاومة» بقامته الممشوقة، والآسرة للأنظار، وحركته المشبعة بالوضوح والغموض معاً.
وقد رسّخ «هدهد المقاومة» حضوره النوعي المميز، بما نفّذه من طلعات جوية، وإحضار الكثير من الصور، والخبر اليقين، عبر تحليقه برشاقة وذكاء وجمال أخّاذ، فوق مياه وسهول ومدن فلسطين بسلاسة، ليكون أشبه ما يكون بطيران الفراشات السريع والخاطف، المتعدد الاتجاهات والسرعات المبنية على ثنائية الغموض والألفة.
وهذا الأداء المميز لـ«الهدهد» الطائر والطائرة، حوّله إلى رمز من رموز المقاومة والحرية، والأمل المقرون باليقين المكلل بالتضحيات وبهاء البلاد، خاصة بعد أن أصبح مبصراً وبصيراً، يعمل ضمن ترتيبات سلاح الجو التابع للمقاومة، يزودها بصور عالية الدقة، من فوق «كريات شمونة» و«نهاريا» وصفد و«كرمئيل» والعفولة وحيفا وما بعدها وما بعد بعدها، ثم يعود إلى قواعده بسلام، في تفوق تكنولوجي يبيّن أن زمن السيطرة على الأجواء من قبل الاحتلال، قد انتهى.
وكان «الهدهد» قد وجّه في رحلة الذهاب والإياب، الكثير من الرسائل للحكومة والمجتمع الإسرائيلييْن، لعل أهمها رفعه للمعنويات على الجبهة الداخلية اللبنانية والفلسطينية والعربية، وزرع الثقة بأن أي تصعيد قادم، سوف يدفع المستوطنين النازحين من مستوطنات الشمال وقياداتهم، للذهاب نحو جغرافية جديدة، بعيداً عن البلاد التي تحتفي بما قام به «الهدهد»، وتدعو لتحويله إلى رمز وشعار وطني، بعد أن أثبت قدرته على القيام بالمهام الموكلة إليه من قبل المقاومة. وهذا ما أعاد له مكانته العظيمة في الثقافة والأدب، بما يحمله من دلالات ورموز، كطائر مرموق يسمو على غيره من الطيور، بما نفّذه وما سينفذه من مهمات كاشفة، لتفاصيل وأخبار البلاد الممتدة من النهر إلى البحر.