فارسٌ من فرسان الصبر، والأمعاء الخاوية، ومعارك الإرادة، ضد السلطات الإسرائيلية، التي لا تنفكّ تنتهك حقوق الفلسطينيين جميعاً، وعلى رأسهم الأسرى في سجون الاحتلال، إنه الأسير الشيخ خضر عدنان، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، والحنجرة التي تصدح برفض الوجود الإسرائيلي، على امتداد الجغرافيا الفلسطينية، غير آبه بالضريبة التي اعتاد أن يدفعها، مقابل مجاهرته بالحق، في مواجهة منظومة إرهابية فاشية عنصرية، بشقّيها السياسي والأمني، اسمها «إسرائيل».من مدينة إلى أخرى في الضفة الغربية، اعتاد الشيخ عدنان التنقّل، ليقول كلمته واضحة وجليّة، في العديد من الفعاليات والوقفات والندوات والمهرجانات. المناضل الذي خرج من رحم بلدة عرابة، جنوب غرب جنين، يعدّ من أقدار الاحتلال السيئة في الضفة المحتلة، كيف لا، وهو الذي لا يكفّ عن استنهاض الهمم، رغم علمه بأن كل حرف يقوله سيسجل عليه، ويحاكم عليه، ويحاسب عليه يوماً ما، من عدو لا يراعي أو يرقب إلًّا ولا ذمة، في شيخ أو كبير أو صغير أو امرأة أو طفل.
متعددة هي المحطات والمواقف التي جعلت من الشيخ عدنان نموذجاً يحتذى، وأيقونة نضالية، وحالة استثنائية خاصة، وعلى رأسها معارك الإضراب عن الطعام، التي اعتادها الأسير، وجعل منها سلاحاً فعالاً، أرغم عبره الاحتلال غيرَ مرة، على التراجع خطوة إلى الوراء، وانتزع من خلاله الحرية، رغماً عن رغبة الإسرائيليين، الذين يمنّون النفس في الحقيقة بالخلاص من أمثلة أبي عبد الرحمن. اثنتا عشرة مرة تعرّض خلالها القيادي في «الجهاد الإسلامي» للاعتقال، وأمضى ما مجموعه نحو ثماني سنوات، معظمها رهن الاعتقال الإداري، خاض خلالها خمسة إضرابات سابقة.
المثير للانتباه، أن الشيخ خضر لا ينتظر مساومة أو حواراً أو حُكماً، ليعلن بمقتضى ذلك إضرابه، وإنما يشرع في الإضراب عن الطعام بمجرد اعتقاله، من دون أن يستمع حتى لما يريده الاحتلال، في سلوك يستبطن رسائل مبدئية، مفادها بأن الجيش الإسرائيلي، يعدّ قوة قائمة باحتلال غير شرعي، وليس له أيّ حق في اعتقال مواطن متجذّر في أرضه. كما أن في تصرف الأسير خضر دعوة إلى التمرد والمواجهة والعصيان، بكل السبل الممكنة، على طريق الحرية، دون الخضوع لإسرائيل وأذرعها القمعية، تحت أي ظرف.
بالطبع، تعرض الأسير عدنان للكثير من أدوات الضغط والتنكيل، والتعذيب الجسدي والنفسي، في مسعى لكسر إرادته، لكنه دوماً كان حاضر القدرة الذهنية والجسدية لمواصلة طريقه، غير آبه لأيّ مظهر قمعي، قد يترتّب على المواجهة غير المتكافئة التي يخوضها دوماً، وهو الذي يعرف أن الانتصار على السجّان سيعدّ غلَبة على القهر والظلم، ورافداً لتجارب مماثلة، ستنتقل حتماً كالعدوى الإيجابية من أسير إلى آخر، سعياً للتغلب على سلطات الاحتلال، ولو بالحد الأدنى، على طريق الانتصارات الكبرى.
صرخة الأحرار، في وجه السجّان الإسرائيلي، متعددة الأوجه، وخضر عدنان أحد روادها، وهو القائل: «أنا ولدت حراً، ولن أذهب إلى السجن طواعية، واحتجاز حريتي واعتقالي هو اعتداء على هويتي»، هذه الكلمات تختصر معانيَ لا تحصى، تمثّل جوهر أدبيات الشيخ، وفلسفة رفض الاعتقال، تحت أيّ مبرّر، فضلاً عن سياسة الإضراب عن الطعام، التي يتبناها الأخير، كما كثيرون غيره، على اعتبار أن الحرية والكرامة من أعزّ ما يملك الإنسان في الدنيا، وليس من حق أي جهة كانت أن تسلبها وتقيّدها، فكيف إذا كانت احتلالاً ليس له من الحق شيء، لا في الأرض ولا في المقدسات ولا في الإنسان.
«أنا بدأت الإضراب ومستمر فيه، زارني محامٍ أو لم يزرني، وجرت تغطية الإضراب بالإعلام أو لا»، هذه من صور الكلام الذي يتدفق بالعزيمة الصلبة، بمعزل عن طبيعة الاهتمام أو شكله، فالمهم النتائج فقط. خضر عدنان المبدئي، لم يدخل معركة إضراب ومعدةٍ فارغة إلا انتصر بها، وكلما خرج من وراء القضبان عاد إلى سيرته الأولى، دون كلل أو ملل، صوتاً للضمير الحي، المتمسك بالهوية الفلسطينية والثوابت الوطنية. اعتقل الشيخ أخيراً في الخامس من شباط الجاري، كالعادة أضرب عن الطعام، ما أدى إلى تعرّضه لتنكيل قاس، وتأجيل محاكمات، وعزل وضغط وتضييق، غير أنه باقٍ على عهد المواجهة كما يؤكد، إما شهادة أو انتصار، ولا مكان للرمادية بينهما.