تؤمن غالبية القيادات الإسرائيلية بلعنة عقد الثمانين. بحسب الروايات الإسرائيلية، فإن غالبية ممالك بني إسرائيل بعد النبي سليمان انهارت خلال العقد الثامن. «على مرّ التاريخ اليهودي لم تُعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانتا بداية تفكّكها في العقد الثامن. يتوجب استخلاص العبر من التشرذم والانقسام اللذين عصفا بممالك اليهود السابقة والتي بدأت بالاندثار على أعتاب العقد الثامن». هذه القراءة ليست صادرة عن حاخام يهودي، أو حتى عن شخص متديّن، فمن قالها هو رئيس الحكومة الأسبق، والجندي صاحب أكثر الأوسمة في تاريخ إسرائيل، إيهود باراك. في مقال في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يتخوّف باراك، الصهيوني اليساري، من حالة الانقسام الداخلي الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي، والكراهية الموجودة بين اليمين واليسار، والمتديّن والعلماني، والمتديّن الصهيوني والمتديّن اليهودي.وهذا الشعور يعتمل قلوب أغلب الساسة الإسرائيليين، اليمينيين واليساريين، وقد عبّر عنه رئيس الكيان الأسبق رؤوفين ريفلين، في مؤتمر هرتسيليا عام 2017، عندما قال إن الانقسام الموجود في المجتمع الإسرائيلي والقائم على مستوى الهوية والتوجهات، قسّم المجتمع الإسرائيلي إلى «قبائل أربع»: 38% يهود علمانيون، 15% يهود صهاينة، 25% عرب و25 يهود أصوليون «حريديم» غير صهاينة. هذا الواقع الإسرائيلي يجبر قادة الكيان على مواجهة أسئلة وصفها ريفلين بالصعبة: «هل نحن معشر الصهيونية نستطيع التسليم بهذا الواقع؟ هل نستطيع أن نسلّم بالحقيقة بأن نصف السكان في إسرائيل (عرب ويهود أصوليون) لا يعرفون أنفسهم كأتباع المعسكر الصهيوني ولا ينشدون النشيد الوطني هتكفاه (الأمل)».
أكثر ما يفسّر هذا الانقسام هو حالة الجمود السياسي التي عاشها المجتمع الإسرائيلي في السنوات الأربع الماضية. إلا أن «القبائل» قرّرت الاجتماع في الحكومة الحالية، برئاسة نفتالي بينت، لتثبت هذه الحكومة أن الانقسام المجتمعي الإسرائيلي انعكس على أدائها الضعيف، حيث أسخف المواضيع، مثل «الخميرة» (استقالت رئيسة الائتلاف الحكومي عيديت سيلمان منه بسبب إدخال الخميرة إلى المستشفيات خلال عيد الفصح اليهودي)، يمكنها أن تفكك الائتلاف.
لعنة العقد الثامن، التي أدت إلى انقسام مملكة داود وسليمان وانهيار دولة الحشمونائيم بحسب الرواية اليهودية، تلاحق كل قادة العدو، إذ سبق باراك وريفلين رئيسُ الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، الذي قال، في تصريح نقلته صحيفة «هآرتس» عام 2017، إنه يتوجب على إسرائيل أن تستعد من الآن لخطر وجودي لكي تتمكن من الاحتفال بالذكرى المئوية لإقامتها.
يحرص كل رئيس حكومة على عدم الوصول إلى حرب أهلية في عهده


وأضاف: «مملكة الحشمونائيم اليهودية التي حكمت أرض كنعان قبل الميلاد بحوالي 140 عاماً لم تعمر لأكثر من 80 عاماً».
الحرص على نجاح الكيان في اجتياز لعنة العقد الثامن تشغل بال قيادات العدو ومثقّفيه. لذلك يحرص كل رئيس حكومة على عدم الوصول إلى حرب أهلية في عهده وتجنّب الانهيار من الداخل كما حصل مع ممالك اليهود السابقة، معرباً عن خشيته من ذلك المصير. وهو ما عبّر عنه رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت في تصريحات بداية العام الحالي: «يتوجب التركيز على عدم الانهيار من الداخل؛ لأن أشد ما يواجه إسرائيل هو خطر التفكك داخلياً، وبالتالي الاندثار كما حصل بممالك اليهود السابقة».
منذ تأسيس الكيان، ثمّة صراع بين الفكرين اليهودي والصهيوني، واستطاع الثاني استغلال الأوّل لبناء روايته لتأسيس «دولة إسرائيل». وهو ما خلص إليه باراك في كتابه «دولتي، حياتي»: «إن احتمال قيام دولة يهودية على أرضنا القديمة بمثابة هدية معجزة تقريباً من الله. ولكن في مواجهة حقيقة أن معظم اليهود الذين كانوا في طليعة من قاموا بذلك كانوا غير متديّنين، اختار الحاخام كوك (حاخام اليهود الرئيسي في فلسطين خلال الانتداب البريطاني)، أن يحتضنهم بدلاً من شجبهم أو تشويه سمعتهم أو محاولة نزع الشرعية عنهم. لم يتغاضَ عن فشلهم في الحفاظ على قوانين اليهودية. لكنه خلص إلى أنه إذا كان الله قد اختار اليهود غير الملتزمين كجزء من عودتنا إلى أرضنا، فإن مجرد كائن بشري، حتى الحاخام الرئيسي، ليس في وضع يسمح له بالاعتراض عليه».
الصراع بين اليهودية والصهيونية انطلق منذ ذلك الحين، كما يذكر باراك في كتابه: «من ناحية الموضوعين الرئيسيين للفكر اليهودي والصهيوني - أهمية وحدة الشعب اليهودي، عام يسرائيل، أو أرض إسرائيل (إيرتس يسرائيل)، اختار الحاخام الرئيسي الوقوف إلى جانب الشعب على الأرض. لكن هذا تغيّر في السنوات التي تلت حرب 1967. كريات أربع، المستوطنات الدينية الأخرى التي تلت ذلك، والحركة القومية الدينية التي نظّمتها، والمعروفة باسم غوش إيمونيم، استلهمت من نجل الراحل راف كوك، الحاخام تسفي يهودا كوك، حيث أصبحت الأولوية لأرض إسرائيل».