أعلنت الحكومة الفرنسية، بتاريخ 10 آذار، حلّ رابطة «فلسطين ستنتصر» عبر مرسوم رسمي، بعد أن أعلن وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، في اليوم السابق، عبر «تويتر»، حلّ هذه الرابطة، وذلك بناءً على تعليمات من رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، بذريعة ما أطلق عليه «الدعوة إلى الكراهية والعنف والتمييز». وصدر قرار الحلّ بضع ساعات قبل خطاب الحكومة الفرنسية أمام «المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية»، والذي استعرض فيه ماكرون وابلاً من الإجراءات التي قام بها للقضاء على أفعال معادية للسامية، هي بطبيعة الحال معادية للصهيونية، تأسيساً على التعريف الذي تبنّاه الرئيس الفرنسي في حفل عشاء «المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية» منذ ثلاثة أعوام، والذي يشير إلى أن معاداة الصهيونية هي أحد الأشكال الجديدة لمعاداة السامية. كما وعد ماكرون، في الخطاب نفسه، بمواصلة تعقّب أي أعمال تدلّ على الكراهية، وبمعاقبة المذنبين، مُعلناً أنه قام بتشكيل فرق من المحققين المتخصصين في هذا الصدد على جميع الأراضي الفرنسية. كما وجدّد اعتبار القدس «عاصمة إسرائيل الأبدية»، علماً أنه في كلّ خطاب من هذا النوع، يتعهّد بملاحقة أيّ أعمال تدلّ على العداء السامي، بالتالي ملاحقة كلّ من يشارك في حملة مقاطعة إسرائيل «BDS». وعليه، يمكننا الاستنتاج أن فرنسا قد تكون ذاهبة، على خُطى أميركا، نحو الاعتراف رسمياً بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، بل وربما نقل السفارة الفرنسية إليها لاحقاً.وبحسب توم مارتن، العضو المؤسس في «رابطة فلسطين تنتصر»، فإن الرابطة وكلت عدداً من المحامين للجوء إلى مجلس الدولة للطعن في القرار، «الموجّه ضدّ الرابطة كمؤسسة وليس بحق الأشخاص، الأمر الذي لا يلغي إمكانية ملاحقة الأعضاء إلا أنه لا يوجد أيّ ادّعاء رسمي بحقهم». ويوضح مارتن أن ادعاءات الحكومة تستند إلى تعليقات للرابطة على «فايسبوك»، تتضمّن رفضها للاستعمار وللتمييز العنصري، مضيفاً أن «فلسطين ستنتصر هي رابطة واضحة الخُطى والتوجّه، معادية للصهيونية، ومعادية للاستعمار وكلّ أشكال التمييز العنصري، وموقفها الداعم واضح بالنسبة للقضية الفلسطينية». ويلفت إلى أن القرار «جاء بعد أن تمّ في مرحلة سابقة تصنيف شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى كمنظمة إرهابية من قِبل الكيان الصهيوني، في شباط من العام المنصرم، علماً أن رابطة فلسطين ستنتصر هي عضو في تلك الشبكة. كما جاء هذا التصنيف بناءً على توصية جهاز الشاباك والمكتب الوطني لمكافحة تمويل الإرهاب NBCTF». كذلك، جاء القرار الفرنسي بالتزامن مع رفض باريس، مجدّداً، ترحيل المناضل جورج إبراهيم عبدالله، بعد رفض متكرّر مماثل، تجلّت آخر فصوله عام 2013، عندما طلبت وزيرة الخارجية الأميركية في حينه، هيلاري كلينتون، من نظيرها الفرنسي، لوران فابيوس، رفض ترحيل عبدالله، وفق وثائق «ويكيليكس» التي سرّبت بريد الوزيرة، لتقود مجموعات سياسية عديدة، من ضمنها «رابطة فلسطين ستنتصر»، إثر ذلك، تحرّكات ضدّ القرار، فاضحة طبيعة الاعتقال التعسفي لعبدالله.
ويسوق مرسوم حلّ الرابطة جملة أسباب للقرار، من بينها الفعاليات والنشاطات التي تقوم بها تعبيراً عن مواقفها ضدّ الاحتلال الصهيوني، ومشاركتها في حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وتوزيع منشورات في الشوارع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق هذا الغرض، وهو ما عدّه المرسوم دليلاً على كرهها لإسرائيل، خصوصاً عند استخدامها تعابير كـ"إسرائيل دولة عنصرية واستعمارية»، أو أنها «دولة وحشية وصناعة القوى الإمبريالية»، أو باتهامها بأنها «مُمارِسة للفصل العنصري وسرقة الأراضي الفلسطينية». والجدير ذكره، هنا، أن «منظمة العفو الدولية» (آمنستي) أصدرت بتاريخ 2 شباط تقريراً مطولاً بعنوان «نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين»، واصفةً دولة الاحتلال بـ«دولة آبارتهايد». كما ويعتبر المرسوم أن تصريحات الرابطة كانت سبباً في جرّ تعليقات كراهية وعنف ضد إسرائيل والإسرائيليين، مضيفاً أن «فلسطين ستنتصر» عبّرت عبر موقعها الرسمي عن دعمها للمقاومة الفلسطينية المسلحة كحلّ وحيد للشعب الفلسطيني لاستعادة حقه التاريخي والشرعي. ويقدّم المرسوم مثالاً، منشوراً على صفحة الرابطة بتاريخ 25 شباط 2020، تنعي فيه الـ29 شهيداً فلسطينياً الذي قتلهم المستوطن الصهيوني، باروخ غولدشتاين، عام 1994، معتبراً أن هذا المنشور كان سبباً في تعليقات تحرض على العنف ضدّ إسرائيل.
هكذا، تظهر اليوم تبعات خلط ماكرون المقصود بين مفهومَي معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، واعتماده تعريفاً يعتبر العداء للصهيونية أحد الأشكال الجديدة للعداء ضدّ السامية.
ويضع قرار حلّ الرابطة على المحكّ كلّ المؤسسات والجمعيات الفرنسية التي تدعم القضية الفلسطينية، وتناهض الاحتلال الإسرائيلي، وباتت مهدّدة بالحلّ، فيما أضحى التعبير عن الرأي تجاه قضية استعمار استيطاني جرماً يحاسب عليه القانون في «دولة الحريات».