يعرّف التطهير العرقي، حسب موسوعة «هاتشينسون» (Hutchinson)، بأنه طرد بالقوة من أجل إيجاد تجانس عرقي في إقليم أو أرض يقطن فيها سكّان من أعراق متعدّدة. وهدف الطرد هو ترحيل أكبر عدد ممكن من السكان، بكل الوسائل المتاحة لمرتكب الترحيل، بما في ذلك وسائل غير عنيفة، كما حدث بالنسبة إلى المسلمين في كرواتيا الذين طُردوا بعد اتفاقية دايتون في تشرين الثاني 1995 («التطهير العرقي في فلسطين» - إيلان بابيه). يُضاف إلى أن جزءاً من التطهير العرقي هو اقتلاع تاريخ الإقليم المستهدف بالوسائل المتاحة كافة، وإخلاء الإقليم من السكان لتكون النتيجة النهائية لمثل هذا العمل هو خلق مشكلة لاجئين. والرأي المتفق عليه أن التطهير العرقي عبارة عن مجهود يهدف إلى تحويل بلد مختلط عرقياً إلى بلد متجانس عرقياً عبر طرد جماعة من الناس وتحويلهم إلى لاجئين، ويتطلّب ذلك أحياناً هدم بيوت الأصلانيين التي تم إجلاؤهم عنها.
طرائق التطهير العرقي
وعليه، يمكننا القول إن سلطات الاحتلال نوّعت في طرائق التطهير العرقي ولم تتبع سياسة واحدة على جميع الأراضي والمدن التي استعمرتها. تطلّبت الحالة أحياناً الحفاظ على ممتلكات الأصلاني والاستفادة منها، كحي الطالبية والقطمون والبقعة في القدس، والتي استبدلت فيها فقط أصحاب البيوت. بينما في حالات أخرى تم تحويل المشهد الجغرافي وإضفاء طابع الحداثة عليه، كما حدث مع دير ياسين مثلاً. عام 1948، أقام الكيان دولته بتدابير شكلية على مؤسسات جاهزة يعود جزء منها لنصف قرن خلت، كجامعتَي العبرية والتخنيون، وصحيفتَي «هآرتس» و«يديعوت أحرونوت».
في هذا السياق، يمكننا التفريق بين آليتَي تطهير عرقي:
الأولى، الآلة المُمَنهجة بشكل واضح ودقيق منذ الخطوة الأولى حتى الخطوة الأخيرة.
الثانية، آلة واضحة البداية والهدف، بينما الآليات المستخدمة لتحقيق الهدف تكون وكأنها مفهومة ضمناً بالنسبة إلى الفاعلين، ومعتمدة على الآلة العسكرية المؤدلجة بشكل كافٍ. بالتالي، يكون هناك خطة رئيسية عامّة، إلا أن القوات المشاركة فيها لا تحتاج إلى أوامر مباشرة لتقوم بتفاصيل العملية، فهي تعلم مسبقاً ما المتوقّع منها. وفي هذه الحالة، فإن المجازر التي تقع لا تكون جزءاً من خطة الإبادة العرقية، بينما يعتبر كتكتيك أساسي لتسريع العملية.
وعليه، فما حصل في فلسطين عام 1948، منذ الخطوة الأولى حتى اليوم، هو حالة تطهير عرقي مستمرّة ومتنوّعة التكتيكات وفقاً لـ«التعريفات العلميّة». استخدمت الحركة الصهيونية أساليب متعدّدة من التطهير العرقي؛ كهجمات يهودية على قرى عربية وأحياء في المدن منذ أوائل كانون الأول 1947، وفي شباط عام 1948 استطاعت قوات الاحتلال إخلاء خمس قرى من سكانها في يوم واحد، وصاحبها مجازر كدير ياسين وتم اقتلاع نحو 250 ألف فلسطيني من أماكن سكنهم.

ما قبل 1948
استخدمت سلطات الاحتلال طرائق أخرى لتحقيق الاستيلاء على أرض فلسطين منذ الحكم العثماني على أرض فلسطين، مروراً بالاحتلال البريطاني انتهاءً بالاحتلال الإسرائيلي. فبداية، وتحت الاحتلال العثماني، أفرزت الضغوطات البريطانية على الدولة العثمانية عام 1911 قانوناً يمنح الأجانب حق التملك والتصرّف بالأراضي العثمانية. كما ويؤكد محمد أمين الحسيني (المفتي العام للقدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس اللجنة العربية العليا حينه)، أنه تم الاستيلاء على 650 ألف دونم في عهد الحكومة العثمانية طيلة فترة طويلة، من أراضٍ أميرية بحجة الزراعة وإنشاء المدارس الزراعية والمستشفيات والجامعات خلال الفترة الممتدة بين عامَي 1850و1920. من ناحية ثانية، كان لنظام الإقطاع دور في عملية تسريب الأراضي، حيث خوّل هذا النظام عائلات قليلة تملّك كميات هائلة من الأراضي والتي بدورها سرّبت لليهود. كالثري سرسق الذي تمكّن من شراء ستين قرية في سهل مرج بني عامر عام 1869. وانتقل هذا السهل إلى لدولة بعد أن انتزعت ملكيّته من أصحابه بسبب تراكم الديون من الضرائب الكثيرة التي فرضتها الحكومة العثمانية. لكن، ورغم التسريبات، بلغت مساحة الأراضي التي اشتراها اليهود من الفلسطينيين، والتي راح جزء منها نتيجة انتزاع الملكية 261,400 دونم من مساحة فلسطين سايكس بيكو، أي أقل من 1% من مجموع مساحة البلاد!
التطهير العرقي عبارة عن مجهود يهدف إلى تحويل بلد مختلط عرقياً إلى بلد متجانس


أمّا خلال فترة الاحتلال البريطاني، فقامت الحكومة بدور مهم في نقل ملكية مساحات واسعة من الأراضي لليهود. حيث تمت إعادة فتح الأراضي المسجّلة باسم الدولة العثمانية الأمر الذي سهّل تسريب الأراضي لليهود وشراء مساحات كبيرة بالتعاون مع المنظمات اليهودية المختصة بشراء الأراضي، كالصندوق القومي الإسرائيلي (الكيرن كييمت). كما وآلت جميع الأراضي التي كانت بحيازة الحكومة العثمانية إلى إدارة الانتداب بدون مقابل، بموجب البند 60 من معاهدة الصلح البريطانية التركية في لوزان سنة 1925. فأدّى تسليم سلطة التصرّف ليد المندوب السامي البريطاني إلى تقديم 175 ألف دونم من أراضي الساحل بين حيفا ويافا قرب قيسارية وعتليت إلى الصهاينة. وغير ذلك، استخدمت سلطة الاحتلال البريطاني أساليب الضغط والتضييق على الفلاح الفلسطيني لإجباره على تسليم الأرض. على سبيل المثال، كانت سلطة الاحتلال تُدخل بعض أراضي الفلاحين المجاورة للمدن ضمن تنظيم المدن الأمر الذي يضاعف الضرائب عليها فيضطر صاحبها إلى بيعها أو يتم انتزاعها منه حين يعجز عن سداد ضرائبها.

بعد 1948
منذ أن وطأ الاحتلال أرض فلسطين، قام بسنّ جملة من القوانين التي استعان بها لقَونَنِة سرقاته وتسهيلها، بل ولابتكار تبعات قانونية للمخالفين في دولة المؤسسات. ومن بينها قانون الأراضي البور الذي يعطي الصلاحية بمصادرة أي أرض لم تجر فلاحتها لمدة سنة كاملة بغضّ النظر عن الأسباب. بالإضافة إلى جملة أخرى من القوانين التي تبيح الاستيلاء والسيطرة على الأراضي قانونياً. كقانون المنطقة المغلقة لعام 1949 وقانون مناطق الأمن وقانون استملاك الأراضي عام 1949 وقانون أملاك الغائبين عام 1950 الذي ينقل ملكية الأراضي إلى مؤسسة الكيرن كييمت، وقانون التصرّف لعام 1953. فضلاً عن تعديلات في قوانين كقانون ضريبة الأملاك عام 1972 الذي يفرض على أصحاب الأراضي الزراعية ضرائب عن كل دونم تعادل 4,2% من قيمة الأرض بعد أن يتم اعتبارها أراضيَ مُعدّة للبناء. وأخيراً وليس آخراً قانون استملاك أراضي البدو عام 1980 والذي «شرّع» الاستيلاء على 87 ألف دونم من أراضي النقب حتى حينه، ويبيح هذا القانون مصادرة الأراضي وطرد أصحابها دون الرجوع إلى المحاكم، كما ويبيح للحكومة استعمال القوّة لتحقيق هذا الغرض («فلسطين وأكذوبة بيع الأرض» - عيسى القدومي).