لم تكن إسرائيل لتحلم بوصول 10 آلاف يهودي من أوكرانيا خلال شهر، بحسب تقديرات نقلتها صحيفة «جيروزاليم بوست» عن مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، لولا حرب أوكرانيا. عدد المهاجرين الهاربين يوازي ما هاجر خلال عام ٢٠٢١ من أوروبا الشرقية. نجحت إسرائيل في استغلال الأزمة بتحقيق هذا الرقم خلال مدة زمنية قصيرة، لأن القادمين هم شريحة كانت رافضة «للهِجرة إلى إسرائيل وتفضّل البقاء في بلدها» كما نقلت «القناة 13» العبريّة.طبعاً، هذا بالإضافة إلى رمزية التاريخ اليهودي في أوكرانيا، المتأصل منذ أكثر من ألف عام، مع تركزّ جذور الحركة اليهودية الحسيدية (الحسيديم)، التي أقامت مجتمعات تحت حكم ذاتي في فترات زمنية مختلفة.
ولا يغيب تعداد اليهود الكبير في أوكرانيا عن بال إسرائيل، حيث يعرّف 43 ألفاً عن أنفسهم كيهود، ويشكّلون الكتلة الصلبة، لكن تقديرات المؤتمر اليهودي الأوروبي ترفع هذا الرقم إلى 400 ألف يهودي تطمح حكومة العدو الى استجلابهم.
هذا الزخم لاحتواء اليهود وضمان استجلابهم، يقابله رفض لاستقبال الأوكرانيين من غير اليهود، وبأحسن الأحوال يمكن تقديم إثباتات عند الوصول إلى مطار «بن غوريون» بعدم البقاء كشرط للدخول.
فقد منعت مواطنة أوكرانية وصلت إلى الأراضي المحتلة مع أمّها الإسرائيلية وزوج أمّها من هنغاريا، فيما سمح للأم وزوجها بالدخول، ومنعت هي بزعم أنها تعتزم البقاء، حسبما أدلت لصحيفة «هآرتس». وهذا ما لم يتقبّله السفير الأوكراني لدى إسرائيل، يفغين كورنيتشوك، معتبراً أن "الأمر غير مقبول، فهنغاريا وبولندا وسلوفاكيا تسمح لمئات آلاف المواطنين بالدخول بدون وثائق، وهذا أمر غريب للغاية".

الصعود إلى «جبل صهيون»
تتضاعف شهيّة الكيان عند اشتعال أي صراع، فيسارع إلى مسح يرصدُ فيه وجود اليهود، ليبدأ بطرح فرضيات أمنية تهدد وجودهم بعيداً من «أرض التوراة»، لإخافتهم وجلبهم، معتمداً على ما يسمّيه «هجرة الذعر». ومن عادة إسرائيل توظيف الأزمات العالمية عبر اللجوء إلى «أيقنة» و«أدلجة» موجات الهجرة، فأطلقت عليها تسمية «عالياه» أي الصعود إلى «جبل صهيون».
في مسار الصعود هذا، كان لاستغلال ضعف الاتحاد السوفياتي وبداية تفككه، وتحديداً بين عامَي 1989 و1993، المكسب الأعظم لضمان الخزان الديموغرافي، باستقدام حوالي 1.6 مليون يهودي سوفياتي على وقع التخويف من فزاعة «اللاسامية». عام 1989 خدعت إسرائيل مهاجري دول الاتحاد وفرضت قيوداً تمنعهم من الهجرة الى أي دولة في العالم باستثنائها، بدفع رشوة للديكتاتور الروماني السابق نيكولاي تشاوشيسكو، مقابل 100 مليون دولار على شكل قرض من الولايات المتحدة.
كما استغلت الحركة الصهيونية تاريخياً قضية ألفرد درايفوس، الضابط اليهودي في الجيش الفرنسي الذي قُدّم للمحاكمة في عام 1894 بتهمة تسريب ونقل أسرار عسكرية إلى ألمانيا، ما تسبّب في موجة عداء لليهود في فرنسا، فنُقل نحو 30 ألف مهاجر يهودي من باريس إلى فلسطين قبل تقسيمها.
هذا الزخم لاحتواء اليهود وضمان استجلابهم، يقابله رفض لاستقبال الأوكرانيين من غير اليهود


أمّا «الفلاشا» (يهود إثيوبيا)، على ما يعانيه هؤلاء من عنصرية في المجتمع الإسرائيلي، فلا تزال إسرائيل تستجلب منهم، بحصيلة وصلت إلى 30 ألف مهاجر، مستغلةً الصراع بين القوات الحكومية ومتمرّدي تيغراي، على الرغم من تشكيك بعض الحاخامات بيهوديّتهم واعتبار جذورهم نصرانية.
ولم توفّر إسرائيل العدوان على اليمن لتروّج لهجرة اليهود في سياق حملات «الرعب» ذاتها، فتم جلب 19 يهودياً في «عملية سرية ومعقدة» وفق صحيفة «معاريف» عام 2016، سبقها حملة بإشراف «الوكالة اليهودية» استقدمت 200 يهودي يمني.
كما تحدّث الإعلام الإسرائيلي، أخيراً، عن إجلاء «آخر يهودي» في أفغانستان رفض على مدى عقود المغادرة، إلا أن رجل الأعمال الأميركي الإسرائيلي مؤتي كهانا تمكّن من إقناعه بعد خروج القوات الأميركية، بتخويفه بأنه سيقتل على يد التنظيمات الإسلامية المتطرفة.

الردع الديموغرافي
عادةً، يسبق هذا النوع من موجات الهجرة الناتجة من الحروب، دعاية مكثّفة تروّج للخطر المحدق بالجالية اليهودية، وإبراز إسرائيل كسفينة نوح، وخط دفاع وحيد عن اليهود، بالتزامن مع استنفار مؤسسات الدولة لبناء جسور جوية للمهاجرين. إلا أن سياسة استغلال الأزمات في العالم هذه تفسّرها التركيبة الديموغرافية الهجينة للكيان، الذي من الواضح أنه لن يكرّر سيناريو نكبة أخرى، خوفاً من المقاومة، لذلك يستغل الخضّات الأمنيّة في أماكن انتشار اليهود، ليسرّع بموجبها موجات الهجرة التي من شأنها ضمان التفوّق الديموغرافي اليهودي رداً على ما يصفه بـ«القنبلة الديموغرافية الفلسطينية». من هنا، يظل الهوس الإسرائيلي لعدّ رؤوس اليهود مسألة ردع ديموغرافي، فهؤلاء هم «احتياطيّ الهجرة لإسرائيل... كلما كان هناك المزيد من اليهود فإن هذا أفضل لإسرائيل» بتوصيف الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي، في صحيفة «هآرتس».