وأخيراً أصبح بإمكان المجاز أن يقتل. والمقصود بالمجاز هنا ليس التجاوز والتعدّي كما هو معروف، إذ ليس مجازاً أن تكون من بلدٍ يجلد المدوّنين، ويخطف النشطاء ليحاكمهم وفق مفهومه للقضاء النزيه، ويطرد الشاعرات من قاعات الأندية الأدبية بحجة الاختلاط. أن تكون من مملكةٍ قررت أن تخلق جهازاً دينياً لمراقبة وملاحقة كل من تسول له نفسه الخروج على شروط العيش داخل أسوارها، وتطلب سيافين لمهمة قطع رؤوس المارقين حسب تعريف مطاوعتها لولاية الأمر على الناس.
حتى أنها تفاخر بنشر نعيهم في صحفها الرسمية حين يرحلون مخلّفين في سجّلهم مئات الرقاب المحنية لسيفهم الأملح.
الخلل في «مجاز» الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، بدأ حين كان الأشجع يومها برفع هاتفه لتصوير ضرب جهاز المطاوعة مراهقاً في أحد أسواق أبها (جنوب غرب المملكة). هذا الأمر سبّب لاحقاً نقمة الجهاز على فياض، وتقديم تقرير كيديّ يدّعي كفره في مجموعته الشعرية «التعليمات بالداخل» الذي صدرت عن «دار الفارابي» عام 2008، أيّ قبل 8 سنوات تقريباً من حكم الإعدام الأخير على الفلسطيني المولود في المملكة. عجز «الهيئة» أمام ضجة الفيديو الذي نشره فياض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لحقه التخطيط للانتقام والقبض عليه، متلبّساً بما أسموه يومها نشر الإلحاد.
يومها إجتمعت شروط المكيدة، وإتفق المطاوعة الذين استهدفهم فياض مع أحد رجالاتهم السريين، وهو صديق سعودي لفياض أن يطلب منه مجموعته الشعرية. وفعلاً أتى بها أشرف وقام بإهدائها خطياً لصديقه المتعاون مع «الهيئة». لاحقاً تمّت مداهمة المقهى الذي كان يجلس فيه الشاعر المغدور واقتيد للتحقيق بتهمة «سبّ الله والنبي محمد والسعودية». أوقف فياض حينها وأطلق سراحه بعد يوم واحد بكفالة، ليعود ويحكم عليه بالسجن 4 سنوات و800 جلدة. في بداية كانون الثاني (يناير) 2014، أُعيد القبض على فياض وحُكم بالإعدام يوم الثلاثاء الماضي، وأُعطي مهلة شهر للاعتراض على الحكم في محكمة مدينة أبها الجزائية. سطوة التيار الديني تجلّت عبر قضية فياض. هم سيقتحمون ويقتلون ويكيدون لكل من يقف في وجه عنفهم وسلطتهم من البشر، فكيف إذاً بالمجاز والقصيدة؟! بل كيف إذاً بمجاز فياض الذي قد يقوده إلى منصة سيتدحرج عنها رأسه خلال أيام معدودة!. وما يزيد الكوميديا سوداويةً، أن مدينة أبها مسقط رأس الشاعر المحكوم بالاعدام، تحيي مهرجان «سوق عكاظ» الشعري سنوياً منذ العام 2007، وقد اختتم فعالياته قبل أشهر قليلة محتفياً بالشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة. اذاً هي مسقط رأسه مرتين: مجازاً وواقعاً.
الحملة التضامنية لخّصها الشاعر البحريني مهدي سلمان على صفحته على الفايسبوك قائلاً «في النهاية الحرية لفياض وللنمر الكبير والصغير، والحرية لكل من يقع عنقه تحت السيف التكفيري أياً يكن مذهبه، دينه، إعتقاده، رأيه السياسي. وأياً يكن العلم الذي يرفرف خلف سيف التكفير».