تونس | فيما تمضي تونس والجزائر في مساعيهما لتأسيس تكتُّل مغاربي يغنيهما عن الجلوس مع المملكة المغربية على طاولة واحدة والتنسيق معها، تحاول ليبيا أن تحافظ على موطئ قدم لها في المشروع الجديد، من دون أن تتضرّر علاقاتها مع الرباط ونواكشوط. وتشير المعطيات إلى أن التكتُّل الذي يلحّ قادة الدول الثلاث، تونس والجزائر وليبيا، على وصفه بـ«الإطار التنسيقي الاقتصادي والأمني» فقط، يتجاوز ذلك إلى رسالة سياسية إلى المغرب وحلفائه بإنهاء ما تبقّى من حبال ودّ مع المملكة وعزْلها إقليميّاً، ويجسّد أيضاً فكرة «عالم متعدّد الأقطاب» تؤمن بها كل من تونس والجزائر، وتلتقيان فيها مع كل القوى المناهضة للهيمنة الغربية.ولا يَظهر أن التردُّد الليبي سيثني الجارتَين، تونس والجزائر، عن مساعيهما التي بلغت مرحلة متقدّمة بالفعل، بوضع الحجر الأساس للتكتُّل خلال لقاء جمع الرئيس التونسي قيس سعيّد، إلى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس «المجلس الرئاسي» الليبي محمد المنفي، مطلع هذا الأسبوع.
ووفق ما ورد في البيان الختامي الذي تلاه وزير الخارجية التونسي، نبيل عمار، فإنّ اللقاء جاء «من أجل تعزيز مناعة الدول الثلاث وقدراتها على كسب الرهانات المشتركة»، وتأسيساً لعلاقات جوار قوامها «العدل والإنصاف». واللافت في البيان المذكور، تشابه مفرداته ونقاطه مع ما ورد في بيان إنشاء «اتحاد المغرب العربي» عام 1989، بشكل أريد منه الإيحاء بوفاة الهيكل القديم وقيام آخر جديد مكانه. على أن خطوات تنفيذ المشروع كانت لتتسارع، لولا الموقف الليبي الذي يريد الاستفادة من كلّ الأطر القائمة، والبقاء على الحياد في صراع إقليمي تعيشه المنطقة منذ سنوات. فبينما تصطفّ تونس إلى جانب الجزائر، وتقف موريتانيا بدورها إلى جانب المغرب، بقيت ليبيا تتأرجح بين الفريقَين. ومنذ بداية فصول الصراع الجزائري - المغربي الأخيرة، لم تبدِ ليبيا موقفاً صريحاً مناهضاً للرباط، بل ثمّنت دورها في الوساطة بين الأطراف الليبية المتنازعة، علماً أن ذلك يعود إلى علاقات المغرب مع الفاعلين الليبيين من جهة، وكونه وكيلاً لأطراف دولية ذات مصلحة مباشرة في الخلاف.
ولعلّ المعطى المتقدّم هو السبب الرئيسيّ للتردّد الليبي في الانخراط التامّ في الاتفاق التونسي - الجزائري؛ فالمنفي، الذي شارك في اللقاء التشاوري، سارع إلى إرسال موفديه إلى المغرب وموريتانيا للتأكيد أن بلاده تقف على الحياد، وأنها لن ترضى بديلاً من «اتحاد المغرب العربي». تجدر الإشارة هنا إلى أن آخر اجتماع للاتحاد المذكور عقد في عام 1994، ومضت ثلاثة عقود بأكملها من دون أن تنجح دولة من دوله الخمس (تونس وليبيا والمغرب والجزائر وموريتانيا) في جمع رؤسائه على أراضيها. وأخيراً، اتّجهت الجزائر، وتلتها تونس، نحو تحالفات دولية جديدة بحثاً عن أسواق بديلة ومصادر جديدة للموارد، بعيداً من الهيمنة الأوروبية، من مثل محاولة الجزائر الانضمام إلى تكتّل «بريكس»، والتنسيق التونسي - الروسي لتوطيد العلاقات، وهو ما يتعارض بدوره مع المحور الذي تصطفّ فيه الرباط، ويترجم صعوبة في تنسيق المواقف وتحديد خطوط مشتركة في التحرّك الديبلوماسي.
وعلى الرغم من غياب أيّ رد فعل رسمي مغربي على هذه الخطوة، فقد سخّرت المملكة وسائل إعلامها ومؤثّري وسائل التواصل الاجتماعي فيها لمهاجمة الجزائر، بوصفها صاحبة الفكرة، وتونس، باعتبارها البلد المضيف. وعلى هذه الخلفية، بالغت وسائل الإعلام المغربية في انتقاد الاجتماع وتقزيم الاتفاقات الناتجة منه، مؤكدة أنه لا مستقبل لأيّ مشروع يجمع الدول الثلاث، طالما أُقصي المغرب منه. وتزامن هذا الانتقاد مع الترويج لدور ريادي للمملكة في المنطقة، وإظهارها في مظهر الاقتصاد الناشئ القوي، لتكون «دبي المغرب العربي»، علماً أن المملكة أشبه بجيرانها من حيث الوضع الاقتصادي المتعثّر والاحتقان الاجتماعي الذي قد ينفجر في أيّ لحظة نتيجة انهيار المستوى المعيشي وانتشار البطالة، فضلاً عن حالة القمع السائدة.