حملة عنيفة تشنّها الحكومة الفيدرالية ضدّ نفوذ شركات التكنولوجيا الكبرى تستهدف الآن بشكل مباشر آبل، إحدى الشركات الأكثر شهرة وقيمة في العالم. آبل متّهمة بانتهاك قوانين مكافحة الاحتكار عبر ممارسات متعمّدة تهدف إلى حبس المستهلكين في نظامها الخاص، ومنع المنافسة في التطبيقات والخدمات المشابهة من شركات أخرى. وذكرت وزارة العدل في الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الجزائية الأميركية في نيوجيرسي، أنّ «كل خطوة في سلوك آبل أدت إلى بناء وتعزيز الأسوار المحيطة باحتكارها للهواتف الذكية. كما أدت ممارسات الشركة إلى ارتفاع الأسعار وتقليل الابتكار». جوهر القضية يتحدث عن هاتف «آيفون»، درّة تاج الشركة الذي غذّى نموها الهائل على مدار السنوات الـ 15 الماضية. وتتهم الدعوى، آبل، بأنّها أنشأت «ساحة لعب غير متكافئة» تفضّل منتجاتها وخدماتها على حساب المنافسة، عبر ممارسة رقابة مشددة على تجربة مستخدمي آيفون ونظام التشغيل iOS.

تستشهد الدعوى بأمثلة عدّة، بما في ذلك تقييد آبل لوصول شركات التمويل إلى شريحة الدفع الخاصة بجهاز «آيفون»، وتطبيقات تعقّب «بلوتوث» للاستفادة من خدمات GPS الخاصة بها. في البداية، كانت لدى شركات التمويل إمكانية وصول أكثر شمولاً إلى ميزات الهاتف المختلفة، بما في ذلك القدرة على الاستفادة من خدمات GPS. ومع ذلك، فرضت آبل، مع الوقت، قيوداً للحدّ من ذلك، استجابةً للمخاوف المتزايدة بشأن الخصوصية وأمن البيانات، خصوصاً في ما يتعلق باستخدام بيانات الموقع الجغرافي من قبل شركات التمويل. وفي الدعوى أيضاً، أنّ آبل صعّبت على المستخدمين توصيل الأجهزة غير التابعة لها، مثل هواتف أندرويد والساعات الذكية، بجهاز «آيفون»، ما ترك المستخدمين محصورين بالأجهزة التي تنتجها الشركة فقط. بالإضافة إلى ذلك، جاء في الشكوى أنّ آبل «تقوّض قدرة مستخدمي آيفون على مراسلة أنواع أخرى من الهواتف الذكية مجاناً مثل تطبيق iMessage... الذي يظهر إشارة مفادها أن الهواتف الذكية الأخرى أقلّ جودة من «آيفون»...».
في المقابل، دافعت آبل بشدة عن سياساتها، باعتبارها قانونية وضرورية لضمان الأمان والخصوصية على أجهزتها، وتوفير تجربة مستخدم فائقة يطلبها الجمهور. وقال متحدث باسمها إنّ «هذه الدعوى القضائية تهدد هويتنا والمبادئ التي تميز منتجات آبل في الأسواق الشديدة التنافسية»، مضيفاً: «إذا نجح ذلك، فإنه سيعيق قدرتنا على إنشاء التكنولوجيا التي يتوقعها الناس من آبل، حيث تندمج الأجهزة والبرامج والخدمات بسلاسة».
تمثّل هذه القضية الكبيرة أحدث جبهة ضمن المحاولات المكثفة التي يبذلها المشرّعون الأميركيون للحد من القوة الهائلة لعمالقة التكنولوجيا الكبار، أمثال آبل، وغوغل، وأمازون، وميتا. وقد يستغرق حلّ هذه المشكلة سنوات، فيما يُحتمل أن يكون له آثار كبرى. وأكدت وزارة العدل أنّه بموجب قوانين مكافحة الاحتكار، تحتفظ بالحق في السعي في نهاية المطاف إلى تفكيك أعمال شركة آبل، الأمر الذي ينفّذ منذ الحملة التي شنتها الحكومة الفيدرالية ضد احتكار متصفح الإنترنت من شركة مايكروسوفت في أواخر التسعينيات.
مَنْ يراقب تطوّر آبل على مر السنوات الماضية، لا يخفى عليه أنّ الشركة فقدت بريقها. والشرارة التي أطلقها ستيف جوبز ذات يوم من عام 2007، مع إطلاقه جهاز «آيفون» الأول من نوعه، انطفأت مع دخول آبل في ممارسات ضربت ثقة المستخدمين وولائهم لها. وهذا أمر لا يمكن الاستهانة به، إذ بالنسبة إلى مستخدمي أجهزتها، ليست الشركة مجرّد شعار تفّاحة، بل نادٍ حصري يريدون الدخول إليه بأي طريقة، حتى لو كلفهم ذلك اقتراض المال. وصحيح أنّ أجهزة الشركة متفوّقة في نواحٍ كثيرة، لكن نسبة كبيرة من الناس تشتري جهاز «آيفون» أو حواسيب «ماكنتوش» بسبب فكرة متخيّلة حول أنّها باب للارتقاء المجتمعي. وأمام هذا الولاء ونزعة المستخدمين للدفاع عن النادي الذي صاروا جزءاً منه، كيف ردت آبل الجميل لهم؟ بالسخرية وحبسهم داخل أنظمة مغلقة وطلب المزيد من المال. هنا، نذكّر بالدعوى الجماعية ضد الشركة عام 2020، بعد اعترافها بأنّها أبطأت هواتف «آيفون» القديمة عمداً في خطة هدفت إلى دفع المستخدمين إلى شراء هواتف جديدة. وصحيح أنّ سوق الهواتف الذكية عالمياً، صار مشبّعاً، بمعنى أنّ غالبية الناس تمتلك جهازاً من هذا النوع، ما أثّر على نسبة شراء الأجهزة الجديدة، إلا أنّه لا يحق لآبل أن تفعل ما فعلته. ووافقت الشركة على دفع ما يصل إلى 500 مليون دولار من الغرامات في هذه القضية. كما لا ننسى لوحة المفاتيح butterfly keyboard على أجهزة MacBook air وMacBook Pro التي لم تتخلص منها آبل حتى أواخر عام 2019. وكانت أزرار لوحة المفاتيح هذه تكرّر كتابة الأحرف من تلقاء نفسها بعد نقرها من قبل المستخدم. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى كيفية معالجة آبل للمشكلة قبل التخلّص نهائياً من لوحة المفاتيح تلك، إذ عمدت إلى بيع قوارير هواء مضغوط للمستخدمين تنفث الغبار المتراكم تحت الأزرار. علماً أن ذلك لم يجدِ نفعاً! هذا ما صارت عليه آبل: أي مشكلة في الجهاز تستحيل حلّاً يدرّ المال عليها، أو أنّها تعيد صياغتها لتبدو ميزة جديدة. ونذكر هنا أحدث نسخة من هاتف الشركة، «آيفون 15»، الذي تنكسر خلفيته الزجاجية بسهولة. وبدلاً من الاعتراف بالمشكلة، قالت آبل للمستخدمين إنها جعلت خلفية الهاتف أسهل وأسرع في عملية استبدالها بأخرى جديدة!