الأستاذة في التعليم الثانوي الرسمي والنقابية، إيمان حنينة، تذهب أبعد من ذلك إلى الحديث عن «حاجة إلى تغيير طريقة التفكير والعمل بأدوات مختلفة تناسب حالة الحصار التي نعيشها. المدارس الشعبية بحسب المستويات التعليمية على غرار تلك التي نشأت خلال الحرب يمكن أن تكون إحدى الأفكار، إذ يمكن الاستعانة بقاعات أو تجهيز مراكز كبيرة في المناطق والأحياء قريبة من أماكن السكن، بما تيسّر، وتسمح بإبقاء التلامذة على قيد التعلّم في بلد منكوب، فمن يصرف مليون دولار في بنود عشوائية يستطيع أن يفكر خارج المألوف».
النقابي محمد قاسم يقرّ بأن نتائج الأزمة الحالية أقسى وأكثر خطورة على الوضع التربوي والاجتماعي من حرب 1975 والاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، إلا أنه ليس هناك مستحيل في إيصال المعرفة إلى الطلاب إذا توفرت الجاهزية، ويمكن أن تكون هناك مبادرات خلّاقة على غرار المدارس الشعبية خلال الحرب الأهلية التي كانت عملاً تطوعياً تمكّن من تدريس 30 ألف طالب على مدى 18 شهراً. برأيه، الأزمة لا تحتاج إلى خطة خمسية رسمية بل إلى استنفار داخل دوائر وزارة التربية وتفويض الصلاحيات لمجموعات متخصصة تعقد ورش عمل مفتوحة تناقش جدول أعمال مدروساً وتجري عصفاً ذهنياً للأفكار لا تتوقف قبل الخروج بصيغة حل على غرار ما حصل سابقاً بملف المهجرين.
الحلول يجب أن تكون مركزيّة ولا تترك لهمّة الناس والمجتمع المحلي
بحسب الباحث في التربية والفنون نعمة نعمة، الأزمة التربوية تتطلب قراراً مركزياً وتخطيطاً استراتيجياً على مستوى الوزارة. والتدابير الفردية الجزئية ــــ المتمثلة بدعم مدارس من هنا ومدارس من هناك مثل مساعدة كاريتاس للمدارس الكاثوليكية أو مساعدة فرنسا للمدارس الفرنكوفونية أو حتى فتح المدارس الشعبية ــــ لا تؤدي إلى نتيجة ملموسة. معالجة «الفاقد التعليمي» أي المكتسبات التعليمية غير المحققة في السنتين الماضيتين لا يكون، كما قال، بعمل استعراضي من مثل لجوء المركز التربوي إلى تقليص عشوائي للمنهج بحيث يصبح 18 أسبوعاً كما هو مقرر هذا العام بدلاً من 26 أسبوعاً، بعدما قُلِّص العام الماضي إلى 13 أسبوعاً، إنما بالقيام بتدريب حقيقي للمعلمين على إعداد دروس نموذجية للتعليم أونلاين والتصميم التعليمي لهذه الدروس، على أن يكون الدعم الشعبي الأهلي مكملاً لعمل الوزارة، أي محاكاة المهارات التي لا تكتسب في التعليم النظامي مثل التكنولوجيا والفنون من رسم وموسيقى ومسرح.
عشية استحقاق أيلول، دقّ مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت ناقوس الخطر بشأن عدم جاهزية المدارس الرسمية لاستقبال العام الدراسي الجديد، والضغط باتجاه إدارة جديدة للأزمة مختلفة عن مجالات وقطاعات أخرى مثل كورونا والمحروقات والدواء. وبحسب مدير المرصد ناصر ياسين، القلق نابع من أن تترك المعالجة لهمّة الناس والمجتمع المحلي، فيواجه مدير المدرسة مثلاً منفرداً مشكلات مدرسته من دون الاسترشاد بأيّ خطة أو رؤية واضحة، أو سلّم معايير يضمن العدالة في التعليم ويحميه من المحسوبيات والزبائنية. تقرير المرصد غمز من قناة أهمية التعامل مع القطاع التربوي على غرار ما يجري في المؤسسات العسكرية وعمل القيادة فيها، فهو لا يقلّ أهمية عنها إن لم يكن يضاهيها لكونه معنيّاً بمليون تلميذ و80 ألف معلم. ياسين طرح سؤالاً جدياً بشأن إمكان تخصيص علاوات عادلة للمعلمين تعزز صمودهم. المرصد وصّف الواقع الحالي بالحديث عن 5 عقبات ستجعل المدرسة الرسمية غير مهيّأة للبدء بالعام الدراسي: التوزُّع الجغرافي للمدارس الذي لا يتطابق مع الواقع السكاني وتكبد كلفة باهظة للنقل، تدنّي قيمة رواتب المعلمين، هجرة مئات المعلمين، الكلفة المرتفعة لتغطية المحروقات للتدفئة ولا سيما في المناطق الجبلية، وكلفة احتياجات الطلاب من الكتب والقرطاسية. ومن الحلول المقترحة، «إنشاء صندوق دعم لكل مدرسة رسمية تديره لجنة مشتركة من المجتمع المحلي ــــ حيث توجد المدرسة ــــ وكذلك الأهل والمنظمات الدولية لتغطية المحروقات والكتب والقرطاسية وكلفة النقل، وعلاوات وحوافز للمعلمين، والإسراع في تنفيذ الاتفاقية الموقَّعة مع البنك الدولي لمشروع شبكات الأمان الاجتماعي الذي يلحظ من خلال برامجه معونة نقدية إضافية للأُسَر التي لديها أطفال في المدارس كي يحفّزها على الانخراط في التعليم، واستخدام جزءٍ من المساعدات المُعلن عنها في «مؤتمر دعم لبنان» المنعقد في 4 آب 2021 (370 مليون دولار للتعليم والصحة والغذاء) للاستثمار في المدارس المهنية والتقنية التي تشكِّل 23% فقط من مدارس لبنان. فتوجيه الطلاب نحو التخصُّصات المهنية والتقنية وربط ذلك بحاجات سوق العمل الحالية والمستقبلية هو من التوجُّهات الاستراتيجية التي ينبغي لمُتَّخِذي القرار والمنظمات العاملة في لبنان تبنِّيها، وذلك من خلال الاستثمار في بنى هذه المعاهد والمدارس الفنية ومختبراتها وتنويع تخصُّصاتها».
ياسين قال «إننا ننوي إطلاق نقاش مع بعض الشركاء المحليين والدوليين بشأن أفكار الحلول والضغط باتجاه الجهات الرسمية لتبنّيها».