مرّت أيام عصيبة جداً على الشام. كل شوارعها كانت احتمالات مفتوحة على الموت. القذائف الإرهابية كانت كزخّ المطر. لا شيء جديداً في ذلك على يوميات الحرب، سوى أن العاصمة السورية عادت إلى دائرة الخطر، بعدما استعادت عافيتها لوقت قصير، وتخلّصت من رهاب الموت المجاني لفترة وجيزة، تمكّنت خلالها من صياغة معطيات حياتية أفضل، إضافة إلى التحسن الخدمي بشكل جلّي. لكن الأيّام الأخيرة كانت عودة إلى ساعة الصفر.
اللافت في هذه الأيام التي تلّونت بدماء المدنيين، وصولاً إلى قرار مجلس الأمن ليلة أمس والتصويت الجماعي على هدنة، ووقف إطلاق النار الذي لا يشمل تنظمي «النصرة» و«داعش» الإرهابيين، هو تحوّل عدد كبير من المواطنين العاديين إلى مراسلين ميدانيين من خلال حساباتهم على السوشال ميديا، خاصة الفايسبوك كونه أكثر المواقع التواصلية تداولاً في سوريا. هكذا، تابع سكان العاصمة بكاميرات موبايلاتهم تعقّب القذائف الهاطلة على مدينتهم. صوّروا، ووثقوا، ورصدوا الأضرار المادية الجسيمة، وكشفوا عن عدد الإصابات وأماكن إسعافها. كما نقلوا عن الصفحات الاحترافية تعليمات الأمن والسلامة في المناطق الأكثر خطورة مثل مدينة جرمانا. تحوّلت صفحات عديدة لمواطنين عاديين إلى منابر انتقادية لقرارات وزارية رأوا أنها خاطئة، مثل امتناع وزارة التربية عن إصدار قرار يعطّل المدارس حرصاً على الأطفال. والتقت بعض الصفحات بأطفال متوجّهين إلى صفوفهم التعليمية من دون أدنى شعور بالخوف، ورصدت فيديوهات أخرى هلع أطفال آخرين وهم يغادرون مناطق تساقط القذائف. حتى هذا الجوّ الموتور، لم يخل من الكوميديا السوداء، عندما أطلق بعض السوريين نداء ساخراً خاطبوا فيه قذيفة الهاون مطلقين عليها اسم «إم درع»، راجين منها أن تقبل بشروط الهدنة وتتوقف عن الغضب العارم! كذلك تداول آخرون جملة بليغة تقول: «دعائي أن أبقى على قيد الحياة حتى آخر الشارع». كأنّ هذه العبارة على بساطتها تختصر أبعاد المأساة كاملة. وسط هذه المعمعة، برزت أسماء تمكّنت من ترك أثرها بالمواكبة السريعة للحدث، وهو ما تعوّد عليه متابعو صفحة «دمشق الآن» و «يوميات قذيفة هاون». كانت صفحة الصحافي السوري صالح السيّد سبّاقة لنشر معطيات الأحداث ولهيبها. كذلك تمكّنت مخرجة الأفلام القصيرة الشابة غفران ديروان من نشر فيديوهات توثيقية للقصف الذي حصل في منطقة ركن الدين والضرر الكبير الذي لحق بالمنازل، وجهود رجال الإطفاء والإسعاف والدفاع المدني للإحاطة بالكارثة. أما الكابتن عمر حسينو لاعب كرة السّلة الشهير، فقد انفرد بالظهور في تقارير ميدانية مباشرة من خلال صفحته على الفايسبوك جال أثناءها في شوارع الشام، راصداً حركة السير ومجريات الحياة، محاولاً طمأنة أقاربه ورفاقه وأصدقائه خارج البلد عن الظرف الآني. وللنجمة أمل عرفة حصّة في هذه الأحداث المؤلمة، عندما نشرت تأكيداً على خبر إصابة بسيطة بشظايا قذيفة تعرّضت لها شقيقتها. تلته بتعقيب على التعليقات الواردة تحت الخبر الذي نقلته إحدى الصفحات، معتبرة بأنّ ما وصلنا إليه من تحريض على العنف هو «الدرك الأسفل للعلاقات الإنسانية»!.