بدأ عام 2016 بحكم «محكمة أبها» في السعودية الذي صدر بحق الشاعر الفلسطيني أشرف فياض بتهمة «الردة»، وحبسه 8 سنوات إضافة إلى 800 جلدة، بعد اعتقاله على خلفية مجموعته الشعرية «التعليمات بالداخل».
وتزامن التحضير للمحاكمة بزيارة لرئيس السلطة الفلسطينية إلى السعودية وتقديم «وسام فلسطين» للملك السعودي، ولم نجد أي تحرك معلن من قبل السلطة، بخصوص قضية الشاعر فياض، كما لم يتم التفاعل مع القضية في الداخل الفلسطيني بالشكل المطلوب، إذ اقتصر الأمر على جلستين حضرهما بعض الأفراد في «مؤسسة عبد المحسن القطان»، و«مؤسسة محمود درويش» من دون ترك أي أثر يذكر، بينما شهدنا مجموعة من الحملات الدولية انطلقت للضغط لإلغاء الحكم الجائر، حملات لفتت الانتباه رغم تواضعها، ولكن سرعان ما خفتت بعد أشهر قليلة، ليتم نسيان الشاعر الذي يقبع في سجون الظلام الآن ونحن نكتب هذه السطور، ليكمل ما تبقى من جلداته بعدما خسر والده الذي رحل عن هذا العالم جراء جلطة قلبية بعد صدور الحكم على ولده.
وبينما احتلت السينما موقع الصدارة في الإنتاج الفني للـ 2015، بظهور أفلام لافتة معظمها لمخرجين شباب جدد طافت في المهرجانات العالمية حاصدة العديد من الجوائز، سجلت السينما تراجعاً كبيراً في العام الفائت، لينتزع الأدب مجدداً مكانة الصدارة. إذ سيطرت الأسماء الفلسطينية على القوائم القصيرة للكثير من الجوائز ـ وإن كانت معظمها جوائز خليجية تواجه الكثير من الأسئلة ـ إذ حصل ربعي المدهون على «البوكر»، ويحيى يخلف إلى جانب إبراهيم نصر الله (تبرع بقيمة جائزته لصالح مؤسسة خيرية كما ذكرت بعض الأخبار) على «كتارا»، ومازن معروف على الدورة الأولى لـ «الملتقى العربي للقصة القصيرة»، وصالح علماني على جائزة «الشيخ حمد للترجمة»، ومايا أبو الحايات على جائزة «الاتصالات لأدب الأطفال». كما حصل غسان زقطان إلى جانب إلياس خوري والأميركية أليس ووكر على جائزة «محمود درويش للإبداع». كما خرجت لزقطان أكثر من ترجمة منها ترجمة إلى الإنكليزية لروايته «وصف الماضي» ولمختارات شعرية، واحدة بالإنكليزية وأخرى بالتركية.
كما شهد العام الفائت وفرة في الإصدارات الأدبية، منها مجموعة شعرية تحت عنوان «كشتبان»، وكتاب بحثي عن الديانة اليهودية في فلسطين تحت عنوان «حين سحقت حية موسى» لزكريا محمد، وصدرت لرائد وحش المقيم في ألمانيا مجموعة شعرية تحت عنوان «مشاة نلتقي مشاة نفترق»، و«خاطف الغزالة يتعثر بأعشابها» لنصر جميل شعث المقيم في السويد. وبعد غياب عشر سنوات عن الساحة الأدبية عاد أنس العيلة المقيم في فرنسا بمجموعة شعرية جديدة تحت عنوان «عناقات متأخرة». كما ظهرت إصدارات أولى لتجارب شعرية جديدة منها مجموعة «لولا أن التفاحة» لعلي مواسي. الرواية أيضاً كان لديها نصيب. بعد غياب عشر سنوات، أصدرت عدنية شبلي أخيراً رواية بعنوان «تفصيل ثانوي»، وعباد يحيى رواية جديدة تحت عنوان «جريمة في رام الله». وشهدنا عناوين اصدارات أولى لتجارب روائية جديدة منها «السيدة مطر» لمجد كيال، و«تذكرتان إلى صفورية» لسليم البيك. كما ظهرت طبعة ثانية لرواية «أورفوار عكا» لعلاء حليحل، ومجموعة قصصية لزياد خداش تحت عنوان «أسباب رائعة للبكاء»، وأخرى لخالد الحروب تحت عنوان «وشم المدن ـ شظايا رجل بلا مدينة». كما حمل العام 2016 ولادة مواقع أدبية وثقافية عديدة نذكر منها «فسحة ثقافية»، و«رمان» و«أنبوب»، وعاد موقع «قديتا» بعد غياب حوالي سنة.
الحدث الأبرز هذا العام هو افتتاح مبنى «المتحف الفلسطيني». وبالرغم من تصميمه الجذاب، إلا أن الحدث الذي انتظره الجميع جاء افتتاحه مخيباً لتصورات البعض، إذ كان الافتتاح متواضعاً بدون أي معارض أو برامج واضحة، ما يدل على أن مشوار المتحف ما زال في بدايته وأن أمامه سنوات عدة كي نتحدث عن متحف حقيقي بمجموعات فنية ومقتنيات. «مؤسسة محمود درويش» أقامت أيضاً «أسبوع الأدب العربي» بمشاركة أسماء عربية منها السوداني حمور زيادة، والبحريني قاسم حداد، والكويتية بثينة العيسى. أسبوع أعده البعض ناجحاً ولاقى حضوراً جيداً، ولكن فتح الباب مجدداً على موضوع التطبيع وإشكالية زيارة فلسطين، ما دفع بعض مؤسسات المجتمع المدني بالمشاركة مع «لجنة مقاومة التطبيع» إلى وضع معايير واضحة فيما يتعلق بزيارة الأفراد والوفود العربية إلى الأراضي المحتلة. ونظمت وزارة الثقافة معرضاً للكتاب ذي حجم وبرنامج ومستوى تنظيمي جيد مقارنة بالدورات السابقة المتواضعة.
في الموسيقي وبالرغم من الحركة التي يمكن وصفها بالنشطة، إلا أن الإنتاجات تراجعت داخل فلسطين مقارنة بالعام الماضي الذي شهدنا فيه إنتاجات عديدة لأسماء شابة. وجاء ألبوم سناء موسى «هاجس» في نهاية العام كأنه الإنتاج الوحيد في الداخل. في المقابل، شهدنا حركة قوية من قبل الفنانين خارج فلسطين، إذ اختتمنا العام بعرض لافت لمشروع مجموعة «وصل» لكاميليا جبران الذي قدمته في كل من باريس وبيروت، وأصدر نزار روحانا ألبوماً جديداً تحت عنوان «فرات»، واستمعنا إلى ألبوم أول لعيسى مراد تحت عنوان «جسور»، وألبوم لتامر أبو غزالة بعنوان «ثلث». وأطلق عبد المنعم عدوان عملاً أوبرالياً مستلهماً حكايات «كليلة ودمنة». وتمثل الحدث الموسيقي الأبرز طوال هذا العام بتجمع ما يقارب 70 فناناً فلسطينياً في حفل موسيقي أدائي هو الأطول في مدته التي ناهزت 12 ساعة، بادر إليه سمير جبران ومجموعته «تريو جبران» التي واصلت العزف طوال ساعات العرض، وذهب ريع الحفل إلى جمعية لمكافحة السرطان. وكانت فرقة «47 سول» من أكثر الفرق نشاطاً وتأثيراً.
وتواصلت المهرجانات الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة وخارجها. استطاع «مهرجان فلسطين للسينما» أن يثبت حضوره في باريس رغم تواضع مستوى بعض الأفلام المقدمة، وكان لظهور المخرج البريطاني كين لوتش الفائز بسعفة «كان» الأخيرة، في افتتاح المهرجان وتقديمه كلمة أعرب فيها عن دعمه الصريح لمقاطعة الكيان الإسرائيلي أثر كبير على المهرجان. وللسنة الثالثة على التوالي وفي باريس أيضاً أقيم مهرجان «فلسطين الداخل والخارج» ومن ضمنه الأيام الشعرية اللافتة التي كان نجمها هذا العام زكريا محمد (الصورة). في الولايات المتحدة، ظلت الموسيقية هدى عصفور محافظة على نشاطها بإقامة الفعاليات الثقافية الفلسطينية. وفي بلجيكا نظمت الشاعرة الفلسطينية فاتن الغرة أياماً شعرية فلسطينية. وفي لندن، احتفى «مهرجان نور» بالفن الفلسطيني، إلا أن بعض الأخبار خرجت من بعض المشاركين تتحدث عن سوء التنظيم.
أما في ما يتعلق بالفنون البصرية، فكان «قلنديا الدولي» الذي أقيم تحت عنوان «هذا البحر لي» هو الحدث الأبرز. خلافاً لدوراته الماضية، توسع هذه المرة خارج حدود فلسطين التاريخية، لتشهد مدينتا عمان وبيروت بعضاً من نشاطات التظاهرة الفنية التي تقام كل عامين، كما شهد العام حدثاً بارزاً آخر تمثل في كشف الفنان ناصر السومي أخباراً عن المقتنيات الفنية لـ «منظمة التحرير» التي كانت قد اختفت إبان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت العام ١٩٨٢، والموجود قسم منها الآن في أحد الأقبية المغلقة لمتحف طهران في ايران، وكشف ما يشبه الفضيحة في مؤتمر صحافي حين تحدث عن مجموعة أخرى لدى الفنانة منى السعودي ومحاولتها التصرف ببعض الأعمال، من دون أن تحظى القضية باهتمام مناسب لا من قبل «منظمة التحرير» ولا من المهتمين داخل فلسطين وخارجها.
ظل موضوع التطبيع قائماً طوال العام وشكَّلت مشاركة المخرجة مها الحاج وفيلمها «أمور شخصية» باسم الاحتلال في النسخة الأخيرة من مهرجان «كان» مفاجأة كبيرة وفضيحة من العيار الثقيل، وظلت الأسئلة تُطرح حول المال الثقافي القادم من قطر باتجاه الكتاب تحديداً، وانتهى العام بأحداث حلب التي ألقت بثقلها على المشهد الثقافي الفلسطيني، وكشفت عن الانقسامات الواضحة فيما يتعلق بالراهن السوري، لتخرج اتهامات وصلت في كثير من الأحيان إلى شتائم صريحة عكست مشهدية بائسة محزنة لواقع عام يزداد تعقيداً.
ماذا تبقى بعد؟ هل غفلنا عن شيء؟ بالتأكيد نعم، تقرير مختصر كهذا مهما حاول أن يكون وفياً للمشهد إلا أنه سيظل لمحة سريعة عن عام اختلط فيه الإنجاز والإخفاق بالأمل والخيبة.