موسم الأمطار الوافر الذي هطل الشتاء الماضي في الضنية، لم يمنع بروز أزمة نقص في مياه الري هذه السنة. إذ ارتفعت صرخة أهالي بلدة كفرحبو، في ساحل المنطقة، من انقطاع مياه الري عنهم منذ نحو شهرين، ما دفعهم إلى رفع لافتات عند مدخل البلدة تعبّر عن أزمتهم، في خطوة لافتة لم يقدم عليها أحد في الضنية العام الماضي، برغم أن موسم الأمطار عامها كان أقل من معدله الطبيعي.
أقدم بعض أهالي البلدة صباح أمس على رفع لافتات عند مدخلها الرئيسي على الطريق الرئيسية التي تربط الضنية بطرابلس، تضمنت عبارات: "بلدة كفرحبو تعتمد على الزراعة وقطع المياه عنها يعني هلاكها"، و"أهالي كفرحبو يستنكرون قطع مياه الري عنها منذ أكثر من شهرين".
رئيس البلدية بهاء بيطار، أوضح لـ"الأخبار" أن "سبب تحرك الأهالي على هذا النحو يعود إلى أن مياه الري مقطوعة عن بساتين البلدة منذ أكثر من شهرين، وقد اتصلنا بمصلحة المياه في الضنية لمعالجة المشكلة ولإيجاد حل، إلا أن المياه بقيت مقطوعة، ولم تأتنا إلا أول أمس وليلاً، ما أثار غضب الأهالي الذين يعتاش نحو 70 في المئة منهم من العمل في القطاع الزراعي".
لفت بيطار إلى أن "الأراضي الزراعية في كفرحبو تقدر بنحو 800 فدان، أغلبها من الأشجار المثمرة كالمشمش والخوخ والجنارك والزيتون"، وأسف لأن "مياه ينابيع عديدة في الضنية تذهب هدراً في الأودية من غير أن تستثمر، بينما تعاني المنطقة من جفاف الأراضي الزراعية ويباس الأشجار فيها".
ولفت بيطار إلى أن "بعض الأهالي بدأوا في السنوات الأخيرة النزوح من البلدة بسبب مشكلة تناقص مياه الري"، منبّهاً من أن "الأهالي متجهون إلى التصعيد وقطع الطرقات إذا لم تحل المشكلة".
العاملون في مصلحة مياه الضنية فضلوا عدم الرد، لكن مصادر فيها أوضحت لـ"الأخبار" حقيقة المشكلة، والمتمثلة في "تراجع مخزون مياه الينابيع التي توفّر مياه الري بنسبة كبيرة، بعدما كان نبعا القسام وسير يزودان المنطقة بنحو 20 مفجر مياه منذ مطلع الصيف ونزل العدد منذ أكثر من شهر إلى 3 مفاجر فقط، ما جعل الأزمة تستفحل وترتفع الصرخة، خصوصاً في بلدات وسط وساحل الضنية، ومنها كفرحبو، التي بدأت تعاني منذ مطلع شهر آب الماضي نقصاً حاداً في مياه الري، وهذه أزمة بدأت مناطق لبنانية عدة تعاني منها بالتزامن مع تأخر تساقط الأمطار هذه السنة".
ولفتت المصادر إلى أن كفرحبو "تقع في آخر خط ري نبعي سير والقسام، الذي يبدأ من بلدة حقل العزيمة، مروراً ببلدات بخعون وحرف سياد ومراح السراج وكفرشلان وعزقي، وأنه بعد شح المياه اعتمدنا مبدأ ري الأراضي بالدور وبشكل تراتبي، من فوق إلى تحت، لكن أهالي كفرحبو رفضوا هذا الإجراء، ونحن لا يمكننا أن نقفز بالمياه فوق بلدة ما كي ننقلها إلى كفرحبو، وأن نجعل المياه تمر في بلدة معينة من غير أن نرويها، علماً أن كفرحبو شربت أراضيها الزراعية خمس مرات هذه السنة، بينما هناك بلدات لم تشرب أكثر من ثلاث أو أربع مرات، كذلك لم تشرب كفرحبو منذ 60 يوماً، بينما بلدتا حرف سياد وعزقي مثلاً لم تشربا منذ 70 يوماً".
أزمة مياه الري التي تتكرر في الضنية سنوياً، من غير أن تجد حلاً لها برغم وفرة الينابيع فيها، يجعل سهام التقصير تتوجه بقوة إلى نواب المنطقة المحسوبين على تيار المستقبل، الذين لم يقوموا بأي مسعى جدّي لتنفيذ مشاريع مائية، عبر وزارة الطاقة والمياه أو مجلس الإنماء والإعمار، لمعالجة الأزمة.
المهندس الزراعي داود داود يرى أن "حل الأزمة ممكن، ويكون ذلك باعتماد عدة وسائل مثل إنشاء برك مياه صغيرة أو متوسطة، واعتماد الري بالتنقيط، وحفر الآبار الجوفية في كفرحبو وعزقي تحديداً لكونهما لا ترتفعان كثيراً عن سطح البحر". ويلفت داود إلى "وجود ينابيع مياه كثيرة تذهب مياهها هدراً مثل مياه نبع الزحلان، وأن كلفة الاستفادة من مياهه ليست كبيرة، ومن شأن الاستعانة بمياهه حلّ الكثير من المشاكل التي تعترض المزارعين في الضنية كل سنة".