يقول جهاد (موظف) إنّه في اللحظة التي يقرر فيها أحدنا تسجيل أبنائه في المدارس، تبدأ رحلة نتف ريشه ريشة ريشة. يروي كيف يتطوّع موظفون لمرافقته إلى مكاتب مختلفة، لكل منها نصيب مما في جيبه. فمن فتح الملف وحجز المقعد الإجباري، إلى الكتب واللوازم والقرطاسية والألبسة والنقل والنشاطات اللاصفية والرحلات والدكانة والأكل ورسم تبرع للجمعيات والمؤسسات الدينية والكتاب السنوي (YEAR BOOK)... إلى أن ينتهي به المطاف وحيداً خالي الجيب لا يجد من يرشده إلى طريق العودة.
«إذا هالقد مندفع اشيا اكسترا ليه القسط شو بيغطي؟»، يسأل جهاد شارحاً كيف تتفنن ادارة المدرسة في خلق الأبواب لتشليح الناس أموالها، «بزنس لا أكثر ولا أقل، بس المصيبة انو ماسكينّا بأغلى شي عنا... ولادنا». هنا ترى صباح، أم لثلاثة أولاد، أنّ الأهل هم الحلقة الأضعف لأنهم مضطرون إلى أن يضحوا بالغالي والنفيس حتى يعلموا أولادهم ويضمنوا لهم تأسيساً قوياً وأملاً بمستقبل أفضل. تتدخل صديقتها سناء فتقول: «استغلال كبير والعجيب انو الكل بيدفع». توافقها صباح: «معك حق، ما يحصل سرقة موصوفة، كلها تجارة ونصب على ظهر الأهل والأساتذة وكل همّ إدارات المدارس تكبّر هامش الربح لديها». تشاركهما هلا، وهي أم لولدين أحدهما في الروضة الثالثة والثاني في السادس أساسي، فتقول: «مع الأسف مجبورين نخضع للسرقة والقرصنة ليتعلم أولادنا، أي سرقة بموافقة منا، بس في مبالغة بالدفعات، ليش مثلاً فتح الملف بدّو يكون من 100 ألف ليرة حتى ألف دولار والكتاب الأجنبي بيتقرّش عاليورو وسعر القرطاسية أربعة أضعاف سعرها الحقيقي أو الظاهر إنهم يحاسبوننا على كل أوراق الامتحانات والمراسلات وكل تفصيل نعرفه أو لا نعرفه، والزي المدرسي بـ 250 دولاراً، ورحلات سقفها 3 مشاوير بـ100 ألف، وسي دي صور لحفلة المدرسة 15 دولاراً، شو عم نحفر دهب من الأرض شو هالكفر؟». وتلفت إلى أن «نصف القرطاسية يبقى من دون استعمال، وهناك كتب نشتريها ولا يفتحونها كل السنة». قد تفهم هلا أن يدفع التلميذ ثمن دفتر بدلاً من الدفتر الذي أضاعه، لكن ما لم تفهمه، أن يدفع ثمن أي قرطاسية جديدة بعد نفادها لديه.

كل المدرسة تشارك
في تسويق النشاطات اللاصفية


«لعبة مكشوفة لمص دماء الناس بعناوين مختلفة»، تضيف سناء، وهلق طاحش PROTECTED وهنا نكتشف أن الأهل يجبرون كل سنة على شراء ثلاثة كتيبات هي عبارة عن إرشاد تربوي للأهل والتلامذة بحجة أنها «package»، علماً بأنها هي نفسها لكل المرحلة، ولا تنفع كل محاولات الأهل للشرح أن الكتيبات موجودة في مكتبتهم ولا يحتاجون إليها. أما «USMAS»، فتشرح سناء أنّه برنامج كومبيوتر تقول لنا المدرسة إنّه يسهم في تطوير المهارات الذهنية في مادة الرياضيات. ليس لدى هلا مشكلة مع البرنامج الذي قد يكون مفيداً، إلاّ أنّها تشتمّ رائحة «سمسرة وكومسيون»، مشيرة إلى أنّ ثمنه 225 ألفاً. اللافت ما تقوله هلا لجهة أن نوعية التعليم لا تزيد مع ارتفاع كلفته، بل على العكس فإنها تنقص، وهذا نلمسه سنة بعد سنة.
حتى الاختياري يصبح بحكم الإجباري، تقول صباح. كيف؟ تجيب: «كل المدرسة، من إدارة ومعلمين، تشارك في تسويق النشاطات اللاصفية، يعملون على إحراج الأهل وتأجيج الرغبة عند التلميذ، ما يشعره بالنقص. برأيها، هذا جزء من عدة الشغل، كأن يقال مثلاً للأهل: «في حال عدم مشاركة ولدكم في هذه الرحلة يرجى عدم إرساله إلى المدرسة في اليوم المخصص لهذا النشاط التربوي»، فإذا كان الوالدان يعملان فسوف يضطران حكماً إلى إرسال ولدهما إلى الرحلة. لا تنكر صباح أننا «نضطر أحياناً إلى أن نقنع أولادنا بعدم الذهاب إلى نشاط ما إلو طعمة وهدفه تنمية الحس الاستهلاكي. بالآخر لازم نحسسو بالتعب اللي عم نتعبو حتى يستطيع أن يستمر».
هذا لا يمنع أن يحصل في أحيان كثيرة اختلال قيمي، بحسب تعبير صباح، فتشرح أنها قد لا تكون مقتنعة بالنشاط، لكنها تقبله مراعاة للضغط الذي تتعرض له «بالإيد اللي بتوجعها».
بالنسبة إلى محمد، أب لأربعة أولاد، شهر أيلول هو شهر سلخ الجلد والوجع في الجيوب والقلوب «إذ وصلت قلة الحياء عند تجار العلم أن يصبح الكتاب كتابين «جزءين» بحجة تخفيف عبء الشنطة، ليباع بسعرين وربحين. يقول إنّ «الجمرة لا تكوي إلا محلها، والمواطن المسكين الذي كواه مسؤولوه على كل مفصل هم اليوم يتفننون في سحب حنجرته حتى لا يسمعوا حتى صراخه.
يجيبه عبد الرحمن (موظف): «السبب أكثر من واضح. فأصحاب المعالي والسعادة وحلفاؤهم من تشكيلة رجال الدين والرأسماليين هم من يمتلكون أكثر من 90 %من هذه المدارس. كيف بالتالي سيسمحون بدعم التعليم الرسمي؟ السبب أيضاً، بحسب مصطفى، أنّ معظم المدارس الخاصة هي إما إرساليات أجنبية أو بعثات علمانية أو مذهبية... تضرب عرض الحائط بالقوانين اللبنانية. وحتى واضعو القوانين اتخذوا تسهيلات لزيادة أرباح خيالية وحدّث ولا حرج عن الموازنات والقرطاسية والترميم... على حساب أولياء الأمور.
«تباً لدولة لا تعزز تعليمها الرسمي وتترك مواطنيها فريسة لأصحاب المتاجر. يمكن صار لازم نخرق جدار الصمت»، يقول جهاد.