تخبّطت حركة فتح في ردّ فعلها على اغتيال قائد «كتيبة شهداء شاتيلا» في الحركة العقيد طلال بلاونة، الملقب بـ»الأردني»، ظهر السبت، في عين الحلوة؛ ليس في التضارب في تحديد موعد الدفن الذي رسا في النهاية على عصر اليوم في مقبرة درب السيم فحسب، بل أيضاً في مواجهة الجناة الذين وثّقهم شهود العيان وكاميرات المراقبة بالوجه والصوت والصورة.
في أيار من العام الفائت، أعلن الأردني بنفسه إحباط محاولة اغتيال كانت تستهدف سيارته بعبوة ناسفة وضعت بين منزله ومكتبه في حي حطين على مقربة من حاجز لقوات الأمن الوطني الفلسطيني. في المكان نفسه، يوم السبت، أظهرته كاميرات المراقبة سيراً على الأقدام في الشارع متوسطاً مرافقيه، ابن شقيقه طلال والفتحاوي فيصل خميس، آتياً من ناحية مقره في جبل الحليب نحو منزله. عند وصوله إلى محلة الكنايات أمام عيادة الأونروا، باغتته دراجتان من الخلف، الأولى يقودها عمر الناطور وخلفه بلال البدر والثانية يقودها ساري حجير. تظهر الكاميرات (الشريط على الموقع الإلكتروني) كيف أطلق هؤلاء النار في اتجاه الثلاثة الذين لم يفلحوا في التلطّي خلف السيارات المركونة إلى جانب الطريق. تمهل الجناة بجانب الضحايا وترجّل أحدهم لسرقة مسدس الأردني الموضوع على خصره، قبل أن يتابعوا سيرهم. الأردني ومرافقه قتلا على الفور وأصيب خميس بجروح، إلى جانب إصابة اللبناني أكرم دمج الذي كان ماراً بالصدفة.
اللافت أن الأردني نفسه كان يسير من دون إجراءات أمنية، في ظل التدهور الأمني الخطير الذي شهده المخيم أخيراً. لكن كان طبيعياً ألا يتدخل أحد من المارة لوقف الجريمة، كما درجت العادة. وعلى جري العادة أيضاً، كان أداء القوى والفصائل الفلسطينية. قيادة العمل اليومي المنبثقة عن اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا عقدت اجتماعاً في مركز النور، وشكّلت لجنة تحقيق بدأت فوراً بجمع الأدلة ومراجعة كاميرات المراقبة والاستماع إلى الشهود. أما قائد القوة الأمنية اللواء منير المقدح فقد قال إن «منفذي الاغتيال كانوا يرتدون خوذات تغطي جزءاً من وجوههم ولم يُعتقل أحد حتى اللحظة، وفي حال ثبوت الأدلة بحق أي شخص سيتم رفع الغطاء عنه واعتقاله فوراً، وتسليمه إلى القوى اللبنانية لمحاكمته». لكن كيف شاهد المقدح الخوذات، علماً بأن الكاميرات التي تزيد على العشرين وتتبع لمعظم الفصائل وتنتشر في كل الاتجاهات في مكان الحادث، تظهر وجوه كل من البدر والناطور وحجير؟
الرصاص الذي أردى الأردني كان يتوقع تصويبه نحو حليفه العميد محمود عيسى «اللينو»، إثر الشائعات التي تحدثت أخيراً عن مساع لتسلمه قوات الأمن الوطني ومواجهة الإسلاميين. لكن اغتيال الأردني لا يقل خطورة عن استهداف «اللينو» الذي اعتبر ما حصل «رسالة عالية السقف» موجهة ضده. البدر قاد الجريمة بنفسه ولم يرسل أدواته كما اعتاد في الاغتيالات السابقة. ترى مصادر مواكبة أن بقايا «جند الشام» و»فتح الإسلام» ومحورهم في عين الحلوة وخارجه «يستعجلون المواجهة. حاولوا استدارج العصبة، فلم يفلحوا». البارز في استعراض الصور في مكان الجريمة، تبرع الإسلامي زياد أبو النعاج بحمل جثة الأردني عن الأرض.
«اللينو» الذي غادر إلى مصر لحضور حفل زفاف نجل القيادي المطرود من حركة فتح محمد دحلان، عاد ليل أمس إلى عين الحلوة. في اتصال معه، رأى أن «القيادة الفلسطينية الحالية هي المسؤولة عن الثأر لدماء الأردني». ماذا عنه؟ هل سيلتزم الصمت تجاه الرسالة الشديدة اللهجة؟ ترك اللينو لنفسه تحديد «الرد المناسب في الوقت والمكان المناسبين».
المخاوف من انفلات الوضع في المخيم إثر الاغتيال تضاعف لدى الأهالي الذين نزح عدد منهم إلى صيدا لتوقعهم أن الحادث لن يمر على خير. لكنه مرّ على نحو مبدئي، مقتصراً على استنفار لدى قوات الأمن الوطني والفصائل الوطنية والإسلامية أمام مقارها وفي محيطها، وإطلاق نار متقطع وإلقاء قنابل صوتية ليل السبت ــ الأحد في الشارع الفوقاني.