على المستوى الميداني، يمكن ترتيب التطوّرات المفصلية، كالتالي:ــــ اندفاع غير مسبوق في التجنيد والتسليح النوعي والدعم المالي واللوجستي والاستخباري للجماعات المسلحة التي تُدار وتُزوَّد من الجانب الأردني، وإعادة تنظيم صفوفها وهيكلتها؛
ــــ تصعيد مخطط له، استخبارياً وعسكرياً، في العمليات العسكرية، المتفوّقة، عدةً وعديداً، ضد مواقع الجيش السوري، ما أدى إلى انسحاب قواته وإعادة تجميعها أكثر من مرة خلال الأشهر القليلة الماضية؛

ــــ التنسيق والدعم الإسرائيلي المتزايد لـ «جبهة النصرة»، ما أتاح لها حرية التمركز والتحرك والمشاركة في العمليات الهجومية، علناً أو ضمناً، والحصول على السلاح والتجهيزات، بصورة غير مباشرة، من مزوّدي تنظيمات غرفة عمليات «الموك» في عمان؛
ــــ على المستوى السياسي، يمكن التمييز بين تنظيمات «الموك» و»جبهة النصرة»، ولكن هناك تداخل ميداني عميق بين الفريقين، بالإضافة إلى التداخل في الميول التكفيرية والطائفية. ورغم أنها تشارك في عمليات قتالية مصممة من المركز، فإن «جبهة النصرة»، تظل مستقلة، إلى حد كبير، في قرارها. وهي تواجه، في الآن نفسه، منافسة الشركاء الميدانيين من تنظيمات «الموك»، و»داعش»، والجيش السوري؛
ــــ ميزان القوى في الميدان يميل لصالح المتمردين والإرهابيين، من حيث الحشد والقدرات والاستخبارات، مما قد يسمح بمزيد من التوسّع للمسلحين، ويمكن «جبهة النصرة» من تهديد السويداء.
كل هذه التطورات، على ما فيها من خسائر، تظل تدور في المجال العسكري المتغيّر في حرب طويلة، وليسj لها قيمة استراتيجية بالنسبة لجوهر الصراع الذي تخوضه الدولة السورية، منذ 2011، في مواجهة التحدي المزدوج للمتمردين والغزاة المدعومين، إقليمياً ودولياً؛ غير أن المهم، هنا، هو الأبعاد والتطورات السياسية المتوقعة في المرحلة المقبلة؛
أولاً، من الواضح أن سقوط الأردوغانية في تركيا، سينقل ثقل التدخل الخارجي في دعم الجماعات المسلحة من شماليّ سوريا إلى جنوبها. وربما يكون هذا التطور مريحا للأميركيين، من حيث (1) أن الشريك الأردني، على عكس التركي، حليف منضبط، (2) وأن تنظيمات الموك هي أقوى ما تكون في الجنوب السوري. وهي يمكن أن تشكّل، مع «جبهة النصرة»، إطارا تحت السيطرة، (3) وأن قوات «داعش» في الجنوب ضعيفة نسبيا أو يمكن ضربها، (4) وأن الحواضن الاجتماعية، القبلية والدرزية، في الجنوب السوري، لها ارتباطات أو صلات أو خطوط اتصال، بهذا القدر أو ذاك، مع النظام الأردني.
ثانيا، هل ينتهي الأمر برسم خطوط تماسّ مزمنة أم برسم خطوط تقسيم؟ ربما تكون خطوط التماس هي الخيار الأميركي في ظل استراتيجية البيت الأبيض، الغامضة، إزاء الحل في سوريا؛ فإذا حُسمَتْ، إلى حد ما، مناطق سيطرة واضحة لما يُسمى «المعارضة المعتدلة»، يمكن التوصل، عندها، إلى اضطرار دمشق إلى حل تفاوضي بشروط ملائمة للأميركيين.
ثالثاً، إلا أنه لا شيء يمنع من قبول واشنطن لنتائج أحداث دراماتيكية، مثل (1) التدخل العسكري، الإسرائيلي (أو الأردني،) بحجة حماية سكّان السويداء من مجازر «جبهة النصرة». وعلينا أن نلاحظ، هنا، التزامن الواضح المعنى لاستيلاء «جبهة النصرة» على اللواء 52 ، واقترابها من السويداء، مع قيامها بالتحضير لمجزرة ضد دروز إدلب، وتنفيذها علنا، وبصورة مفاجئة وصادمة، لبثّ الذعر في جبل العرب، وتصديع مجتمعه المحلي، وتوهين ارتباطه بدولته الوطنية، وفتح الباب أمام تدخل عسكري «إنساني» في المحافظة المهدّدة بجرائم الإرهاب؛ (2) التدخّل العسكري الأردني بحجة حماية الحدود الأردنية من تهديد «جبهة النصرة» (و»داعش»). في هذا السيناريو، ينشب القتال بين تنظيمات «الموك» و»النصرة» و»داعش»، ويغدو شمال الأردن، مهدداً بغزو إرهابي، ما يفتح امكانية دخول القوات الأردنية إلى الأراضي السورية، في إطار «المعركة ضد الإرهاب»! وفي هذا السياق، من الصعب على المراقب أن يتجاهل المعاني المتضمنة في التصريحات الصحافية (10 حزيران 2015) لرئيس هيئة أركان الجيش الأردني، الفريق مشعل الزبن، الذي توعّد بأن «القوات المسلحة، ستكون بالمرصاد للخوارج والإرهابيين» وأنها «انتقلت من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الردع» والقدرة «على التعامل مع أي طارئ وحماية حدودنا.»

■ ■ ■


من المفهوم تماما أن الإدارة العسكرية للحرب هي مسألة تعود، برمتها، إلى الخطط والظروف الميدانية، وتُناقش في غرف القيادة، لا على الشاشات؛ لكن، مع كل هذه الفوضى السياسية والاجتماعية الحاصلة في الإقليم، ومع كل هذا الغموض في السيناريوهات المعادية، ومع كل هذه الهجمة السياسية والإعلامية والنفسية على الجمهورية العربية السورية؛ أما يزال الصمت ممكنا؟