انتهت جولة العنف التي استمرت أربعة أيام بين الجيش ومجموعات مسلحة في طرابلس وبحنين، ببسط الجيش سيطرته على مناطق الاشتباكات كافة، مقابل انسحاب المسلحين من الشوارع ومراكزهم وتواريهم عن الأنظار. ورست حصيلة الاشتباكات على 27 قتيلاً، بينهم 12 شهيداً للجيش، وأكثر من 200 جريح وتوقيف نحو 100 مشتبه فيه، وأضرار كبيرة في الممتلكات.ما خلّفته جولة الاشتباكات أظهر حجم الخطر الذي كان يهدد طرابلس ومناطق شمالية عدّة، استناداً إلى المخطط الذي كان المسلحون يسعون لتنفيذه، وكشف وجود خلايا نائمة لهم في أكثر من منطقة، سواء داخل طرابلس أو خارجها، ومصادرة كميات ضخمة من الأسلحة من مراكزهم.

وقال مصدر أمني لـ«الأخبار» إن «جولة الاشتباكات أثمرت دخول الجيش إلى مناطق وأحياء وأزقة باب التبانة كافة للمرة الأولى، وتمركزه فيها، وتحديداً جامع عبدالله بن مسعود الذي كانت مجموعة شادي مولوي وأسامة منصور تقيم فيه مربعاً أمنياً، وجامع حربا، وسوق الخضر». وأوضح أن الجيش «صادر كميات ضخمة من الأسلحة في هذه الأحياء، من بينها معمل يدوي بدائي لصناعة المتفجرات والقنابل داخل سوق الخضر، كما عثر على كميات كبيرة من هذه الألغام مخبّأة داخل بعض محال السوق بين صناديق الفاكهة والخضر».
في موازاة ذلك، تبيّن أن ما كشفته الاشتباكات في بلدة بحنين في منطقة المنية لا يقل خطورة عمّا جرى في طرابلس، إذ أكدت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن «المسلحين الذين قاتلوا إلى جانب الشيخ خالد حبلص في محيط مسجد هارون في البلدة لا يقلون عن 200 مسلح، أكثر من 150 منهم من أبناء البلدة ذاتها، التي تعدّ صغيرة مقارنة بالبلدات المجاورة الأكبر منها كالمنية ودير عمار والبداوي».
ولعل وجود هذا العدد الكبير للمسلحين في بحنين هو الذي دفع إلى استقدام تعزيزات إلى المنطقة، والاستعانة بفوج المغاوير والطوافات لحسم المعركة، وتحديداً بعد فرار المسلحين خارج البلدة في اتجاه البساتين والحقول المجاورة، وصولاً إلى منطقة عيون السمك، ما أفشل تحويل بحنين إلى نقطة ارتكاز وتواصل بين طرابلس ومنطقة الضنية، حيث كان الموقوف أحمد سليم ميقاتي يحاول أن يجعل بعض بلدات المنطقة ملاذاً آمناً لمجموعته ومجموعات أخرى بعد وضع يده عليها، وفق اعترافاته التي تسرّب بعضها أمس.
وكشفت بعض اعترافات ميقاتي أنه كان يريد «احتلال» بلدات بخعون وبقاعصفرين وعاصون (البلدة التي أوقف فيها) وسير، كونها غير ممسوكة أمنياً، وأن خطته كانت تقضي بوصل طرابلس بالضنية عبر بحنين، التي تربطها بالضنية طريق عيون السمك، تمهيداً لربط هذا «المثلث» بمنطقة عرسال ومنطقة القلمون السورية، ووضع قدم لهذه «الإمارة» عند شاطىء البحر، إما في طرابلس أولاً، أو في بحنين كخيارٍ ثانٍ، وأن مولوي ومنصور كانا يعلمان بتفاصيل هذا المخطط الذي كان يفترض البدء به بعد قرابة شهر .
أما سبب اختيار ميقاتي للبلدات المذكورة دون غيرها من بين بقية بلدات الضنية الـ48، فيعود إلى أن هذه البلدات تعدّ بلدات الاصطياف الرئيسية في المنطقة. وخلال فترة الصيف يزيد عدد المصطافين فيها على أعداد سكانها بأضعاف، ما يوفر لخلاياه العمل بهدوء بعيداً عن الشكوك، خصوصاً أن المنطقة تخلو من مراكز عسكرية أو أمنية كبيرة. وتزامن ذلك مع إقدام جهاز أمن الدولة، قبل أيام، على خطوة أمنية ناقصة، تمثلت في إقفال مكتبه في سراي الضنية ونقل عناصره إلى سراي المنية، بحجة قدوم فصل الشتاء، ما أفرغ الضنية من وجود أمني يعاني أصلاً من نقص كبير.
وسط هذه الأجواء، كانت العملية العسكرية في طرابلس تقترب من نهايتها. فصباح أمس انتشر عناصر الجيش في باب التبانة، حيث قاموا بنزع ألغام وعبوات، ونصبوا حواجز ثابتة وطيّارة، كما نفّذوا عمليات دهم وانتشروا في مناطق عدّة في المدينة، منها أبي سمراء، بعد إشاعات عن تسلل المسلحين إليها.
عودة الهدوء إلى طرابلس ترافق مع الحديث مساء أول من أمس عن تسوية عقدها سياسيون ومشايخ تقضي بإفراج المسلحين عن العسكري طنوس نعمة، ابن منطقة بشري، مقابل تسهيل خروج المسلحين وتواريهم. لكن الجيش أعلن رفضه وجود أي تسوية مع المسلحين، وأشارت مصادره إلى أن «كل ما يقال هو استغلال سياسي لبعض السياسيين المتضررين من نجاح الجيش في حسمه الأمور بسرعة»، داعياً المسلحين الفارين إلى «تسليم أنفسهم»، ومتعهداً «بمطاردتهم والقبض عليهم».
لكن مصدراً أمنياً كشف لـ«الأخبار» أن «اتصالات مكثفة أجريت مع قيادة الجيش تطالبه بإعطاء مهلة تسمح بإخراج المدنيين من باب التبانة، وكذلك الجرحى الذين فاق عددهم الـ60، مساء أول من أمس وصباح أمس، وأن المسلحين استغلوا المهلة وتسللوا إلى خارج المنطقة، إما مع المدنيين أو عبر أزقة وسراديب، بعدما تركوا خلفهم أسلحتهم التي عثر الجيش على كميات كبيرة منها».
وعن نوعية المسلحين الذين واجهوا الجيش وعددهم في باب التبانة، أوضح المصدر الأمني أنهم «يتجاوزون 400 مسلح تقريباً، يتوزعون على 3 فئات: الأولى رؤساء المجموعات مثل شادي مولوي وأسامة منصور، ويرجّح أنها خرجت من المنطقة أو توارت عن الأنظار داخلها؛ والثانية أغلبها سوريون، وهؤلاء بعد أن يرموا أسلحتهم يعودون فوراً إلى عملهم كبائعين على بسطات أو غير ذلك؛ والثالثة هم أبناء المنطقة الذين يشاركون في أي معركة، ثم يعودون إلى بيوتهم وكأن شيئاً لم يكن».