ما لم يكن يتوقعه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أن يتلقى ضربة موجعة من داخل حزبه في الوقت الذي تواجه فيه حكومته أزمات كثيرة أبرزها تراشق الاتهامات بين وزير الجيش موشيه يعلون، ووزير الاقتصاد نفتالي بينيت، على خلفية إدارة الحرب على غزة. أيضا هناك أزمة حادة بين نتنياهو نفسه، ووزير المالية يائير لابيد، حول الموازنة الأمنية.
كل هذه الأزمات ترافقت مع الضغوط الداخلية في حزبه، «الليكود»، حتى جاء إعلان وزير الداخلية والرجل الثاني في الحزب، غدعون ساعر، استقالته من منصبه ومن عضوية الكنيست وعزوفه عن العمل السياسي.
تعددت التفسيرات لهذه الخطوة الدراماتيكية، وراوحت التحليلات في الساحة الإسرائيلية بين من رأى أن ساعر لم يعد قادراً على الاستمرار في ظل قيادة نتنياهو، وآخرين ربطوا القرار بظروف شخصية وعائلية. التفسير الأخير هو أول ما عرضه الوزير المستقيل بالقول إن قراره يعود إلى رغبته في العيش مع عائلته، لكن التفسيرات وصلت إلى ربط القرار بتعليق عمل زوجة ساعر في القناة الأولى في التلفزيون الاسرائيلي. وسرعان ما حسم الرجل موقفه تعقيبا على التعليقات والتفسيرات التي تناولت قرار استقالته، وقال أمس: «لم أترك بالأمس كي أعود غدا صباحا»، مشيرا إلى أن هناك «حياة» خارج السياسة.
الوزير المستقيل تحدث عن «الحروب» التي تشهدها الحكومة على خلفية الموازنة، وعبّر عن دعمه لوزير المالية لابيد بالقول: «قبل نقاشات الموازنة ينبغي أن نحافظ على موازنات الوزارات الاجتماعية»، مشددا على أن «التعليم هو الأمن والمستقبل». وكان ساعر قد انتقد في خطاب الاستقالة بصورة ضمنية رئيس الحكومة، وحدد ذلك في جملته: «الشعب يواجه المصاعب... هناك غلاء المعيشة وغلاء أسعار المساكن... يُمنع المس بالتعليم والرفاه والصحة والشرائح الضعيفة لأن الشعب البسيط منحنا الثقة مرة تلو أخرى وعلينا ألا نخيب آماله».
ورغم أن استقالة ساعر تمثل مؤشراً إضافياً على الأزمة التي تواجهها حكومة العدو وحزب «الليكود» بعد الحرب على غزة، فإنه من ناحية أخرى يرجح أن يكون نتنياهو قد تنفس الصعداء، وخاصة أن ساعر كان من أبرز أقطاب «الليكود»، ومن أقوى المرشحين لخلافته في رئاسة الحزب. وكان من المتوقع أن يتنافس معه على هذا المنصب في الانتخابات الداخلية المقبلة. مع ذلك، تبقى الدلالة الكبرى لهذه الخطوة أنها تأتي بالتزامن مع أزمات متوالية يواجهها الحزب والحكومة، الأمر الذي انعكس في توقعات بعض المراقبين نحو رؤيتهم أن الانتخابات العامة يمكن أن تجرى خلال عام 2015.
في كل الأحوال، فإن القدر المتيقن من تداعيات استقالة ساعر هو تحوّل حزب «الليكود» إلى القوة الثانية في الكنيست بعد حزب «هناك مستقبل». ووفق الأرقام، فقد بدأ نتنياهو ولايته الحالية بترؤس كتلة تضم 31 عضو كنيست (20 من الليكود، و11 من إسرائيل بيتنا)، عبر حزبين خاضا الانتخابات في قائمة مشتركة، لكن بعد استقالة رؤوفين ريفلين، الذي انتخب رئيسا للدولة، حل بدلاً منه أحد أعضاء حزب «إسرائيل بيتنا» بفعل تبني النظام النسبي في الانتخابات القائم على اللوائح المغلقة.
نتيجة ذلك، تراجع عدد أعضاء «الليكود» إلى 19، والآن بعد استقالة ساعر سيحل أيضا بدلا منه أحد أعضاء «إسرائيل بيتنا»، وفي النتيجة سيتحول «الليكود» إلى القوة الثانية في الكنيست بـ18 عضوا، فيما يبلغ عدد أعضاء «هناك مستقبل» 19، مع الإشارة إلى أن تراجع عدد أعضاء الكتل بذاتها، وبعيدا عن الأزمة السياسية التي تواجهها الحكومة، لا توجب بالضرورة تغييراً في رئاسة الحكومة، وخاصة أن القانون لا يشترط أن يكون رئيس الوزراء هو رئيس الكتلة الكبرى في الكنيست.
بالتوازي مع ذلك، احتل خبر استقالة ساعر صدارة اهتمام الساحتين الإعلامية والسياسية في إسرائيل، فعلى المستوى السياسي لم يبادر نتنياهو سوى إلى خطوة شكلية هي الاتصال بوزير الداخلية السابق هاتفيا ليعرب له عن احترام قراره وشكره على ما قدمه طوال أعوام طويلة من العمل السياسي في الحكومة والكنيست وحزب «الليكود».
أما رئيس حزب «العمل» والمعارضة، يتسحاق هرتسوغ، فرأى أن اعتزال ساعر الحياة السياسية دليل على إخفاق رئيس الحكومة وسياساته الاقتصادية والسياسية. كما رأى في قرار الاستقالة رسالة احتجاج من داخل «الليكود» بطريقة صامتة. وأضاف هرتسوغ: «سرعان ما ستهب العاصفة داخل الليكود»، واصفاً خطوة الاستقالة بأنها استمرار لما حدث مع دان مريدور وبيني بيغين وموشي كحلون وكثيرين... «الأمر الذي يشير إلى نزع الثقة عن نتنياهو، ولهذا يجب استبداله».
وشدد رئيس «العمل» على ضرورة أن يفهم نتنياهو هذه الرسالة «التي لا لبس فيها»، وهي أنه «يعيش فشلا مزدوجا، الفشل السياسي والاقتصادي، في حكومته وسياساته، وهناك حاجة لاستبداله في هذا الوقت لمصلحة إسرائيل».
من جهته، حذر الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، من مغبة تقديم الانتخابات العامة، لافتاً إلى أنها لن تؤدي إلى تغيير ذي مغزى في الساحة الحزبية، "لأن هذا الأمر قد يؤدي إلى فقدان ثقة الجمهور العريض بالمؤسسات الديموقراطية".
لجهة البديل في حقيبة «الداخلية»، ستفرض استقالة ساعر على نتنياهو إجراء تغيير في المناصب الوزارية، وهنا أمامه عدد من الخيارات. يقول مقربون من نتنياهو إن أبرز هذه الخيارات، التوجه إلى تسليم المنصب إلى غلعاد اردان في حال بقائه في الحكومة وإلغاء تعيينه سفيراً لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، كما تحدثوا عن سيناريو آخر هو تعيين يوفال شطاينتس، ونقل اردان إلى وزارة الشؤون الاستراتيجية بدلا من شطاينتس، لكن مصادر أخرى قالت إنه لو كان الأمر متعلقا بنتنياهو لعيّن تساحي هنغبي وزيرا للداخلية.
أما ساعر، وبشأن حديثه عن أنه «لم يترك كي يعود غدا»، نقلت صحيفة «هآرتس» عن أحد المقربين منه تقديره أن استقالته ستكون مؤقتة، وأنه سيرجع إلى المنافسة على قيادة الدولة. ورأى المصدر نفسه أن «هذه الخطوة تذكر بخطوة موشيه كحلون، وهي الخروج من المنظومة السياسية لتحشيد التأييد الشعبي في الخارج ثم العودة إلى الحياة السياسية»، مؤكدا أنه لا يشك في أن عودة ساعر ستكون إلى «الليكود»، وليس في حزب مستقل.
إعلامياً، توقع عدد من المحللين أن تكون خطوة ساعر جزءا من التكتيك السياسي الذي يرمي إلى تعزيز شعبيته خارج «السفينة التي تغرق»، في إشارة إلى حزب «الليكود»، مقدرين أيضاً أنه سيعود لاحقا للمنافسة على قيادة الدولة. وربط بعضهم بين هذا التوقع، وإعلان ساعر أن قراره لا يعني التخلي عن «الليكود». ووفق «هآرتس»، رأى أعضاء في «الليكود» أن ساعر خطط لهذه الاستقالة منذ زمن طويل، لكن موعد إعلانها لم يكن مصادفة. وتقول بعض التقديرات إن قرار الاستقالة جاء على خلفية تعليق عمل زوجته الصحافية، غيؤولا ايبن، في القناة الأولى، «وبعد استقالة ساعر ألغي قرار تعليق عمل زوجته وأعيدت إلى مهماتها في القناة».
في المقابل، فإن صحيفة «يديعوت أحرونوت» التي أبرزت النبأ على صفحتها الرئيسية، أشارت إلى أن نتنياهو علم بذلك من وسائل الإعلام. ورأت الصحيفة أن ساعر قرر التخلي عن منصبه بدلاً من مواجهة نتنياهو، وأنه سيعود مع مغادرة الأخير، وهو أمر أجمع عليه عدد من المعلقين السياسيين. كما نقلت عن مسؤولين في «الليكود» قولهم إن الاستقالة تعود إلى العلاقات السيئة مع نتنياهو في السنة الأخيرة، وأنه (الوزير) فقد ثقته برئيس الحكومة ولم يعد قادراً على مواصلة العمل معه.
في السياق، عبّر مسؤولون كبار في «الليكود» عن شعورهم بأن «نتنياهو يخسر الليكود» وأن هناك إحساسا بأن السفينة تغرق و«أننا نقترب من الانتخابات». هنا ذكرت «يديعوت» أن التوتر بين الاثنين بلغ أوجه أثناء الحرب الأخيرة على غزة، وخاصة أن ساعر هاجم في جلسات داخلية قرار الحكومة بوقف السعي إلى إسقاط «حماس» من السلطة.