بعد المواقف التي أطلقها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، من على منصة مؤتمر «معهد السياسات لمكافحة الإرهاب»، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، عن مصدر سياسي رفيع قوله إن إسرائيل قلقة من إمكانية إبداء الولايات المتحدة مرونة في المفاوضات مع إيران بفعل انشغالها بمحاربة «داعش». نتنياهو الذي حذر من أن يؤدي العمل على ضرب «داعش» إلى تعزيز قوة محور إيران وحلفائها في المنطقة، أسهم في تعزيز القلق الإسرائيلي في ضوء التشكيك في إمكانية لجوء الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى التلويح بالخيار العسكري ضد طهران في حال إخفاق المفاوضات بشأن الملف النووي.
مع ذلك، تؤكد المصادر الإسرائيلية أن الولايات المتحدة تحاول منذ أشهر تبديد المخاوف الإسرائيلية والتشديد على أن سياستها إزاء ايران لم تتغير، لكن تل أبيب غير مقتنعة بذلك، وخاصة بعد قول أوباما قبل أيام، إن «داعش»، لا إيران، هي الآن أكبر مشكلة في الشرق الأوسط.
ضمن السياق نفسه، أكد وزير الشؤون الاستراتيجية، يوفال شطاينتس، لدى عودته من زيارة لأميركا، أن المسؤولين الذين التقاهم أوضحوا أنهم لن يسمحوا لموضوعات أخرى بالتداخل مع الموضوع النووي، لكن شطاينتس الذي التقى مسؤولين في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي والأجهزة الامنية ورئيس الطاقم الأميركي للمفاوضات مع إيران، عقب بالقول: «هذا لا يبدد قلقنا، لأن الإيرانيين مصرون على مواصلة برنامجهم النووي. والاتفاق السيئ مع إيران سيقربها من السلاح النووي، وسيسمح لدول أخرى بأن تحذو حذوها».
في سياق منفصل، من الوهلة الأولى يوحي بيان النيابة العسكرية الإسرائيلية بفتح تحقيق في الحالات «الاستثنائية» خلال الحرب على غزة، كذلك إن مقتل وجرح الآلاف من المدنيين الفلسطينيين لم يكن بناءً على توجيهات من القيادة العليا، وإن مسؤولية سقوط هذا العدد الهائل من المدنيين كان نتيجة تصرف ضابط هنا وجندي هناك، وبناءً عليه، ستكون تصرفاتهم موضع تحقيق ومساءلة.
وبلحاظ الحقيقة، إن إجراء تحقيقات داخلية يظل من الوسائل التي تحاول بها إسرائيل تفادي رفضها التحقيق الدولي، لذا يتضح أن القضية ليست سوى وسيلة للتضليل وحماية الذين نفذوا العمليات الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني. مع ذلك، تبقى المسؤولية على «المؤسسات الدولية» التي تتكيف مع هذه الأكذوبة، ولا تتعامل معها بما يناسب حجم الجريمة.
على هذه الخلفية، رأت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بتسيلم» أن تجارب الماضي تدفعها إلى ألّا تعلق آمالاً كثيرة بشأن أن تؤدي عمليات الفحص الإسرائيلية إلى نتائج سوى إخفاء الحقائق. وشددت «بتسيلم» على أن الجهاز الاسرائيلي للتحقيق يتسم بثلاثة إخفاقات: أنه غير مُعدّ للتحقيق مع المستوى السياسيّ أو المستوى القياديّ الرفيع، المسؤوليْن عن رسم السياسات وتوجيه الأوامر، فضلاً عن أنه غير مخوّل بذلك. أيضاً، يلعب النائب العسكري العام دوراً مزدوجاً، فهو يوفر استشارة قانونية للجيش قبل الحرب وأثناءها بخصوص مشروعية الأوامر. وفي الوقت نفسه هو المسؤول عن اتخاذ قرار بخصوص محاكمة المخالفين للقانون.
أما في الحالات التي صدرت فيها أوامر غير قانونية بعد الاستشارة التي قدمها، سيكون النائب العسكري في موقع تضارب مصالح بنيويّة. كذلك تتركز تحقيقات الشرطة العسكرية مع الجندي على أرض الميدان، وليس مع المستوى القيادي الرفيع، ولا يسمح الاستقصاء العسكري للجنود بتنسيق إفاداتهم، وفي حالات كثيرة لا يستطيع المحققون الوصول إلى موقع الحدث.

التحقيقات الإسرائيلية في الحرب على غزة يقودها من أعطوا الأوامر بالقتل

على صعيد آخر، فللمرة الأولى منذ تشكيل وحدة 8200 التابعة لسلاح الاستخبارات العسكرية، وجه 43 جندياً وضابط احتياط من الوحدة رسالة إلى بنيامين نتنياهو، ورئيس أركان الجيش بني غانتس، ورئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء أفيف كوخافي، أعربوا فيها عن رفضهم المشاركة في العمليات ضد الفلسطينيين، أو أن يكونوا أداة لتعميق السيطرة العسكرية على الأراضي المحتلة. ومن بين الموقعين على الرسالة ضابط من رتبة رائد، واثنان من رتبة رقيب في الاحتياط، وعناصر استخباراتية أخرى، منهم ضباط لهم مهمات في فرق استخباراتية.
وأوضح الضباط في رسالتهم أنهم أدركوا خلال خدمتهم العسكرية أن الاستخبارات جزء لا يتجزأ من السيطرة العسكرية على الأراضي المحتلة، وأن السكان الفلسطينيين الواقعين تحت الحكم العسكري منكشفون تماماً للتجسس ومتابعة الاستخبارات، خلافاً للسكان في إسرائيل والدول الأخرى. وأضاف الضباط أنه «لا رقابة على أساليب جمع المعلومات واستخدامها بشأن الفلسطينيين، أكان لهم دور في العنف أم لا». ولفتوا إلى أن المعلومات التي يعملون على جمعها وتخزينها تمس بـ«أناس أبرياء، وتستخدم للملاحقة السياسية، وخلق تفرقة في المجتمع الفلسطيني من خلال تجنيد متعاونين وتوجيه أجزاء من الشعب ضد نفسه».
وبيّن هؤلاء أنه في حالات كثيرة، فإن المعلومات الاستخبارات تمنع المحاكمة العادلة لمتهمين في المحاكم العسكرية، ومن دون وجود أدلة ضدهم، بل تسمح هذه المعلومات بالسيطرة المتواصلة على ملايين البشر، تحت الرقابة المشددة، إضافة إلى اختراق مجالات حياتهم، مضيفين أن ذلك لا يسمح لهم بحياة طبيعية، ويشعل المزيد من العنف، ويقصي حل الصراع.
تجدر الإشارة إلى أن الوحدة 8200 هي هيئة جمع المعلومات المركزية في سلاح الاستخبارات، والأكبر في الجيش الإسرائيلي، وهي مسؤولة عن جمع المعلومات التي يطلق عليها «سيجينت»، وتشمل المكالمات الهاتفية والرسائل النصية القصيرة والبريد الإلكتروني والفاكس.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن أحد ضباط الوحدة قوله إن كل فلسطيني معرض للرصد من دون توقف أو حماية قضائية، وأن جنوداً صغاراً يستطيعون اتخاذ قرار بأن شخصاً ما هو هدف لجمع المعلومات بلا إجراءات يؤخذ فيها في الاعتبار حقوقه الشخصية، مشيراً إلى أن «فكرة وجود حقوق فلسطينيين غير قائمة مطلقاً».

(الأخبار)