لاءات كثيرة ومشهد أسود خيّم على وزارة التربية أمس. فبعد تلويح هيئة التنسيق النقابية في وقفتها الصباحية بـ«لا عام دراسياً في أيلول» إذا لم تقرّ سلسلة الرواتب، اجتمع الوزير الياس بو صعب بأركانها ليقول لهم: «لا سلسلة، لا جلسة تشريعية، لا مجلس وزراء، لا مجلس نواب، لا رئيس جمهورية». إلا أنّ هيئة التنسيق استطاعت أن تنتزع خلال يومها الطويل في الوزارة إقراراً من بو صعب بـ«لا إفادات» إلى جانب «لا تصحيح للامتحانات إلا بالتوافق معها»، إلى درجة قوله «اعتبروني عضواً في هيئة التنسيق».
المعادلة التي تحدث عنها رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب هي: «إذا أراد المسؤولون أن يبلغونا أن لا سلسلة، فنحن نبلغهم أن لا تصحيح ولا إفادات حتى لو وصل الأمر إلى شل العام الدراسي المقبل».
لكن اعتصام الـ24 ساعة لم يحرّك المياه الراكدة كما انتظرت هيئة التنسيق، فحجم المشاركة لم يكن على قدر التوقعات وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإضراب في الوزارات والإدارات العامة الذي كان الالتزام به هزيلاً. فقدت قواعد الهيئة حماستها، ما عدا بعض الوجوه النادرة التي اعتادتها الشوارع والساحات والقاعات. هل هو الصيف أم رمضان الذي يفسر هذا الغياب الملحوظ لأصحاب المصلحة في السلسلة وانخفاض عدد المشاركين من آلاف إلى عشرات؟ أم أنّ هيئة التنسيق تحتاج الى ابتكار وسائل جديدة للتحرك تعيد الحماسة والامل بالانتصار في هذه المعركة الوطنية الكبرى؟

وزير التربية:
اعتبروني عضواً في هيئة التنسيق

«شو عملتولنا بهالسلسلة؟»، سؤال يومي يسمعه بعض الموظفين الناشطين من زملاء كثيرين، من دون أن يتحمس هؤلاء للانخراط في التحرك وفعل أي شيء، تقول إحدى المعتصمات الدائمات سائلة: «ماذا لو قطعوا عنهم الرواتب، هل سيبقون في بيوتهم؟».
لا أهالي ولا طلاب هنا أيضاً. أمس، لم يتجاوز عدد المنضمين إلى اعتصام هيئة التنسيق أصابع اليد الواحدة. ألم يحن الوقت بعد لينتفضوا ضد من يصادر حقوق أولادهم؟ ألا يريدون شهاداتهم الرسمية؟
لقد ضربت هيئة التنسيق النقابية الرقم القياسي في عدد نشاطاتها، فيما ضرب المسؤولون الرقم القياسي بالتطنيش والإهمال. هذا ما قاله رئيس دائرة التعليم الابتدائي هادي زلزلي، مذكّراً بموعد الإضراب العام في كل الوزارات والمؤسسات العامة، يوم الأربعاء من كل أسبوع. لكن يبدو أنّ هذا الموعد بات إعلامياً فقط.
حتى الآن، يريح المعلمين أنّ الأهالي لم يقفوا ضدهم. محمد صافي وسعيد اللحام حضرا باسم مجالس الأهل في بيروت والبقاع ليؤكدا أننا «والطلاب والمعلمين في خندق واحد ضد من يأكل حقوقنا كلنا». وقد أعلنا وقوفهما ضد الإفادات. أما الطالب ضرار شرانق فقال: «نحن أصحاب حقوق ونريد حقنا في الشهادة الرسمية، وهذا الحق موجود لدى الحاكم»، مناشداً زملاءه الطلاب التحرك للضغط على المسؤولين من أجل عدم إعطائهم إفادات بدلاً من الشهادات. وأضاف: «نحن رهائن عند الساسة لا عند الأساتذة».
لا أحد يزايد في حرصه على الطلاب أكثر من الأساتذة، فالدولة هي المسؤولة عن تعطيل كل البلد وأخذه الى المجهول وليس هيئة التنسيق، كما أكد رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض، مطالباً رئيس مجلس النواب نبيه بري بدعوة النواب الى جلسة عاجلة كما فعل في جلسة سندات الخزينة، «فمن دون جلسة مجلس النواب لن يكون هناك تصحيح». ولوّح محفوض بـ«لا عام دراسياً في أيلول من دون سلسلة، وليتحمّلوا مسؤولية الوضع المجهول الذي يأخذون البلد إليه».
فالشهادة الرسمية تمثل السيادة التربوية الوطنية، ومن المحرمات أن يفكر أحد في إعطاء إفادات وإعادتنا إلى زمن الحرب. هذا ما جزم به عضو رابطة أساتذة التعليم الثانوي نزيه جباوي، منبّهاً من أنّ «لدينا أساليب أخرى غير مقاطعة التصحيح، سنلجأ إليها قريباً ولن نتراجع». وناشد رئيس رابطة المتقاعدين في التعليم الرسمي عصام عزام المسؤولين ضرورة الوقوف في وجه الغدر والفساد المستشري الذي إن ضبط وحده يموّل السلسلة.
الموظف في وزارة الزراعة علي برو حضر إلى الاعتصام بعدما فكّ اضرابه عن الطعام واعتصامه وحيداً في ساحة رياض الصلح، مشيراً إلى أنّ «المشكلة ليست بالأرقام بل هي سياسية، فحنا غريب ومحمود حيدر ليسا مختلفين أحدهما مع الآخر سياسياً ولن يختلفا يوماً. هيئة التنسيق بكامل أعضائها تطالب بحقوق الجميع، ومنذ انطلاقتها مثّلت الجميع وما زالت. المختلفون هم السياسيون الذين يفتشون عن أدوات يتصارعون بها، واليوم نحن هذه الأدوات». برو دعا إلى إعادة تصويب البوصلة باتجاه «من يختلفون فينا ويتفقون علينا».
وبعدما نزل بو صعب إلى اعتصام هيئة التنسيق، استدعى أركانها إلى اجتماع لم يحمل طرحاً جديداً، بل جاء تحت عنوان «تقييم للمرحلة الماضية واستشراف للمرحلة المقبلة». لم يتردد الوزير في تجديد الطلب من أركان الهيئة للتحرك باتجاه مرجعياتهم السياسية لتوضيح مواقفها. وشرح الوزير أنّ «الأمور عالقة بالسياسة، وأردنا أن نتعرف إلى الأفكار المتاحة ونناقشها، في ظل غياب تام للسلطات التشريعية والتنفيذية. لذا فإننا مع هيئة التنسيق في الموقع القيادي وسوف نفكر معاً». ورأى أنّه إذا «لم يتوافر وضع يجعل النواب يدخلون المجلس النيابي ويقرّون السلسلة فلا شيء سوف يتبدل». وفي ظل انسداد الأفق السياسي، لم يجد بو صعب سوى مخاطبة الجانب الإنساني لدى النواب، فدعاهم إلى تحييد التربية عن تجاذباتهم التي باتت شبيهة بحرب باردة سياسية، وأن ينظروا إلى الملف نظرة الأم والأب، فلا يجوز أن يتعطل مستقبل جيل بكامله. وناشد بري أن يستغل أول فرصة ممكنة ومتاحة للتشريع من أجل الرواتب وسلفات الخزينة، وأن يجعل ملف السلسلة أول بند على جدول الجلسة التشريعية، من أجل فك أسر الامتحانات الرسمية.