يعقد مجلس الإنماء والإعمار جلسة غداً لدرس مجموعة من البنود على جدول أعمال هيئته، بينها بند يتعلق بإحدى الصفقات السياسية المشبوهة التي تسلّلت من كسارات آل فتّوش إلى الأوتوستراد الذي يربط زحلة بالمتن. آل فتوش يعرضون على المجلس تقديم دراسة «مجانية» لإنشاء هذا الأوتوستراد، على أن يموّلها المجلس من خلال إحدى الجهات المانحة. هذا الطريق يمثّل «تعويضاً» لآل فتوش عن عدم حصولهم على تعويض بشأن كساراتهم، وفقاً لقرارات مجلس شورى الدولة التي تفرض إعطاءهم 218 مليون دولار مضافة إليها الفوائد. قرارات مجلس شورى الدولة وُصفت بأنها قرارات فضيحة، لكن الفضيحة الأكبر هي سذاجة هؤلاء الذين يرون أن آل فتوش ليس لديهم أسباب «أخرى» تدفعهم إلى تقديم الدراسة والمشورة لإنشاء أوتوستراد ضخم تقدّر كلفته بمليارات الليرات... هل يصح أن تكون عقارات آل فتوش هي الهدف؟
تقول مصادر مطلعة إن شقيق النائب نقولا فتّوش، الذي تُقاد باسمه كل صفقات شركات فتوش، سواء السياسية منها أو ما شابه، قدّم ملفاً إلى مجلس الإنماء والإعمار يطلب فيه القيام بدراسة عن إنشاء الأوتوستراد الذي يربط المتن بزحلة. أمانة سرّ المجلس وضعت هذا الملف على جدول أعمال هيئته التي تعقد جلسة غداً. ووفق التقديرات، سيوافق المجلس سريعاً على «مبادرة» آل فتوش باعتبارها مطلباً محقاً لأهالي زحلة والمتن، وباعتبار الطريق المذكور وصلة حيوية من شأنها ربط المناطق بعضها ببعض.
عملياً، يؤكد المطلعون أن خلفية موافقة المجلس سياسية تتعمّد عقد صفقة مع آل فتوش تعويضاً لهم عن عدم تنفيذ قرار مجلس الشورى «الفضيحة» الذي يعطيهم الحق بالحصول على تعويض من الدولة عن «التوقف القهري لعمل كساراتهم لفترة سنة وأربعة أشهر». يومها حصل آل فتوش على تعويض بقيمة 218 مليون دولار، مضافة إليه فوائد بمعدل 9%، لكن القرار لم ينفذ إلى الآن.
اللافت أن الجهات نفسها التي تدعي أنها عطلت تنفيذ هذا القرار هي نفسها التي تقوم اليوم بصفقة التعويض لآل فتوش. فحين صدرت قرارات مجلس شورى الدولة، ادّعى رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة أنه رفض تطبيقها، ما أدّى إلى تعطيلها لاحقاً، إلا أن موقف رئيس مجلس الإنماء والإعمار، سمير الجسر، المحسوب على كتلة المستقبل، يثير الاستغراب، نظراً إلى أنه هو الجهة المشرفة على قبول هبة آل فتوش وتنفيذها.
هذا الوضع يستوجب طرح الكثير من الأسئلة: كيف تكون هذه «المبادرة» المجانية من آل فتوش بمثابة تعويض لهم عن عدم تطبيق قرار مجلس شورى الدولة؟ هل يجوز ربط هذين الأمرين معاً؟
في الواقع، إن استفادة آل فتوش من هذا الأمر لن تكون عابرة، ولا يمكن أن يقتنع أحد بأن هناك من يعمل مجاناً في لبنان. لا بل إن المعطيات المتداولة بين المطلعين، تقول إن استفادة آل فتوش هي الأكبر من هذه المبادرة التي تستهدف استغلال 3 مستويات:
ــ من خلال مطالبة آل فتوش وتقديمهم هبة تنفيذ دراسة إنشاء الطريق الذي يربط بين زحلة والمتن، تحقق هذه العائلة السياسية فوزاً سياسياً يتيح لها استغلاله انتخابياً في زحلة ويتيح لها تقديم نفسها على أنها صاحبة النفوذ الأقوى في هذه المنطقة.
ــ إن مشروع إنشاء الأوتوستراد بين زحلة والمتن سينفذ، في غالبيته الكبرى، وفق الأسس التي تذكرها الدراسة، وبالتالي سيكون في إمكان آل فتوش رسم الطريق بالقرب من الأراضي التي يملكونها والأراضي والعقارات التي يملكها مقرّبون منهم. وهذا المشروع هو عبارة عن تحسين لأسعار العقارات التي سيمر بها مخطط الأوتوستراد، فالأسعار هناك ستتضاعف في الحد الأدنى، لا بل إن الأراضي والعقارات التي يمر فيها الأوتوستراد ويكون موقعها بالقرب من المدن الكبيرة ستكون محوراً أساسياً في أي عملية تنموية في تلك المنطقة، وبالتالي ستكون مرغوبة أكثر من أجل الاستثمارات السياحية والسكنية والخدماتية.
ــ إن مخطط المشروع الذي ستضعه الدراسة سيأخذ في الحسبان أن الدولة لا تملك المساحات اللازمة لإنجازه من دون اللجوء إلى خيار الاستملاك، وهو خيار مكلف على الدولة، وغالباً ما يكون عاملاً تتحكم فيه السياسة. والاستملاكات تخضع لعمليات تخمين عقارية، ويمكن تضمينها، من دون افتراض سوء النية، الكثير من التركيبات السياسية ومطالبات أهل المنطقة بزيادة الأسعار والاستفادة بصورة أكبر.
في هذه الحالات الثلاث سيكون أمام آل فتوش الكثير من العمل السياسي الذي يمكن أن يكون محكماً إن كانت أعمال الدراسات والأعمال التنفيذية بأيديهم أيضاً. المليارات التي ستنفق على الدراسات والتنفيذ والاستملاكات وقيمة التحسين العقاري ستكون هي بمثابة تعويض لآل فتوش.