بين مخيم برج البراجنة و«حيّ البعلبكية» ومنطقة المنشية، هناك حيّان يجمعهما اسم «حيّ الأكراد». في ذلك المثلث يجتمع مزيج غير متجانس سياسياً. خليط قد ينفجر في أي لحظة. فأنصار «الثورة السورية» يعيشون بالقرب من أنصار النظام السوري، وبقربهم الفلسطينيون الذين يحاولون أن ينأوا بأنفسهم عن كل شيء. ولكن، حتى الآن، ورغم التوتير المذهبي الذي يسيطر على البلد، ترسم «الجيرة والعشرة» خطوطاً حمراء ممنوع تجاوزها من قبل أحد. في مكتبه، في مدرسة الايمان، يجلس رئيس هيئة العلماء المسلمين في لبنان الشيخ أحمد العمري. الرجل معروف جيداً من قبل أبناء برج البراجنة. فهم شاهدوه واستمتعوا بـ«الكلمة الطيبة»، البرنامج الذي كان يشارك فيه على شاشة تلفزيون «المنار». كان ذلك قبل أن تفسد الأزمة السورية الودّ بينه وبين قناة حزب الله. في الفترة الاخيرة، اعترض بعض أبناء البرج على خطب العمري المؤيدة لـ«الثورة السورية».
وصل بعض الاعتراضات الى مسامعه، لكن ذلك، كما يقول، «لا يفسد في الودّ قضية»، إذ إن لبنان «بلد الرأي والرأي الآخر، وأنا أسمع رأي حزب الله المؤيد للنظام السوري عبر إعلامه، فلا بد أن يسمع رأيي المؤيد للثورة». هكذا، ورغم خطابات العمري النارية ضد «طاغية الشام» وحلفائه، التواصل بينه وبين حزب الله لا يزال قائماً «ولم ينقطع يوماً» على ما يقول.
بداية الخلاف وفتور العلاقة بين الجماعة الاسلامية وحزب الله في البرج كانت بعد اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري. حينها لم تتهم الجماعة حزب الله، إذ «كانت الأصابع تشير الى النظام السوري». بالنسبة الى العمري، لـ«نظام الاسد» سوابق في «استهداف السنّة في لبنان. اغتال المفتي الشهيد حسن خالد و(الشيخ) صبحي الصالح»، لذلك فإن اغتيال الحريري غير مستبعد عنه. ويضيف أن «علاقة النظام السوري مع أهل السنّة علاقة طائفية بامتياز».
لكن رغم ذلك، بقيت العلاقة قائمة بين حزب الله والجماعة الاسلامية في الضاحية «ولم تنقطع أبداً»، كما يؤكد ثانية، لافتاً الى أن التواصل الاجتماعي والتربوي بين الطرفين. فالجماعة تملك مدرسة الايمان في البرج «وتربطنا بالمؤسسات التربوية التابعة لحزب الله وأمل والمبرات الخيرية رسائل متبادلة، ونحن نشارك في أنشطتهم التي يدعوننا إليها». أما على الصعيد الاجتماعي، فـ«نتواصل مع بلدية البرج التي تدعونا الى المشاركة في أنشطتها ونلبّي دعواتها»، مؤكّداً أنه «لا توجد مشكلة على هذا الصعيد». ولكن، «هذه القضايا تختلف عن الموقف السياسي، ويجب احترام موقفي السياسي». ويقول العمري إن «حزب الله مقتنع بدعم النظام السوري، وقد يكون محقاً لأن هذا النظام خدمه ودعمه سياسياً وثقافياً». لكن «هذا النظام لم يدعمني، بل جرحني وقتلني وعذّب أبناء ملّتي». يضيف: «في سوريا الآن مدن بأكملها تدمر، من يدمرها؟».
تأييد العمري لـ«الثورة السورية» نابع من كونه «ابن (جماعة) الإخوان المسلمين التي حوربت في حماة». يؤكد أن النظام «رفض مبادرات عدة طرحتها الجماعة لفتح صفحة جديدة». يسمي القيادات التي عملت على الوساطة بين الطرفين «حركة حماس التي هي إخوان مسلمين فلسطين، نجم الدين أربكان، الشيخ فتحي يكن الذي كان لديه اعتبار عندهم، لكنهم رفضوها». يضيف: «اعتبروا أن عودة الإخوان المسلمين الى سوريا ستخرجهم من الحكم».
هذا الموقف من النظام السوري ينعكس في خطب الجمعة التي يلقيها الشيخ في جامع الروضة. دعاؤه على «طاغية الشام وحلفائه» استفزّ أبناء المنطقة الذين يعتبرون أنفسهم حلفاء الرئيس السوري. لذلك قيل إن حزب الله تمنّى عليه تحويل مكبرات الصوت الى داخل الجامع كي لا تثير خطاباته «حزازيات» بين أبناء المنطقة. لكنه يؤكّد أن أحداً لم يطلب ذلك منه أبداً. ببساطة، لأن «من المعيب أن يطلبوا هذا الامر. كل ما في الأمر أن بعض الجيران انزعجوا من صوت مكبرات الصوت فأدرناها في اتجاه المخيم». يضيف: «لا يمكن حزب الله أن يقوم بمثل هذا العمل، لأنه يعرف أنه في بلد الرأي والرأي الآخر». يؤكد العمري أنه لا يزال يحترم «حزب الله كمنظومة فكرية وثقافية، وكمقاومة ضد العدو الصهيوني». لكنه لا يحترم «سلاح حزب الله الذي استخدمه في مكان آخر. بل أحزن لأن السلاح الذي وصل في رفعته الى السماء تحول الى فتنة داخلية، سواء في لبنان أو في سوريا. هذا عمل غير أخلاقي».
رغم الخلاف السياسي الحاد في البرج، لم تقع «ضربة كف» واحدة بين الجماعة الاسلامية وحزب الله. ففي عز الانقسام السياسي في 7 أيار، نأى أبناء حسن البنا بأنفسهم عما جرى. لكن ذلك لم يمنعهم من اعتبار أن حزب الله استخدم السلاح في المكان الخطأ. ويقول العمري: «إذا ارتكبت خطيئة في 5 أيار، فهذا لا يبرر أن تقع في جريمة». يضيف: «الشرع يقول العين بالعين والأذن بالأذن». لذلك، «للأسف لم يعد على سلاح المقاومة إجماع».
كل ما جرى لم يمنع عقد لقاءات بين حزب الله والجماعة في برج البراجنة. جمعت الأفراح والأتراح الطرفين بحكم الجيرة. وبرغم الخلافات السياسية الموجودة، لم تنقطع قنوات التواصل، سواء من خلال الاجتماعات التي تعقد في المكتب السياسي للجماعة الاسلامية أو الزيارات المتبادلة بين أبناء المنطقة الواحدة. لكن كل هذه الخطوط الحمر التي رسمتها العشرة اختفت فجأة عندما انتقد الشيخ العمري في إحدى خطبه السيد حسن نصرالله من دون تسميته. حينها تمنى مسؤولون في الحزب على العمري عدم التطرق الى شخص السيد. استجاب الرجل للتمني. أما سبب انتقاده للأمين العام لحزب الله فجاء رداً على «تهجّم السيد على معلّمي وأستاذي الشيخ (يوسف) القرضاوي». يضيف: «إذا كان هناك اختلاف في السياسة، فذلك لا يعني التهجم على المقامات الدينية». يذكر العمري عندما التقى «رئيس علماء المسلمين في العالم السيد نصرالله حينها قال له: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، ما يعني أن القرضاوي كان خلف السيد نصرالله». لا يخفي العمري انتقاده لسياسة حزب الله تجاه سوريا. يقول إنهم «يقفون (حزب الله) مع يزيد الشام، وضد الشعب السوري المظلوم». لكنه يؤكد مجدداً أنه مهما بلغت حدة الخلاف بين حزب الله والجماعة الاسلامية، الا أن ذلك لن يمنعهما من التواصل، وذلك مجدداً بحكم الجيرة والعشرة التي تجمع الطرفين، خصوصاً في منطقة إذا انقطع التواصل فيها تحولت الى غيتوات.



المجلس الشرعي خارج على القانون

طلب الشيخ أحمد العمري من علماء الدين المنضوين في هيئة علماء المسلمين الانسحاب من انتخابات المجلس الشرعي. يرفض العمري المجلس الجديد لأنه «خارج عن القانون وقرار مجلس شورى الدولة». يقول العمري إنه حاول من خلال وساطات إطلاق مبادرة بين أعضاء المجلس القديم وبين المجلس الجديد. تنص المبادرة على حل المجلسين الشرعيين والدعوة الى انتخابات مجلس جديد في مهلة أقصاها شهر. حتى الآن لم ترد الاطراف على مبادرة «الهيئة»، لكن العمل جار على حل مشكلة الدار، إذ «لا يجوز أن يسجل في عهد مفتي الجمهورية وجود مجلسين شرعيين». أما الحديث عن عزل المفتي فـ«مرفوض بتاتاً».