ليس غريباً في هذه الأيّام أن يتمّ تقديم روسيا، مجدّداً، على صورة «الخطر الآسيوي» الذي يهدّد أوروبا، مع كلّ الصّور التاريخية التي ترافق هذا الوصف: الغزو المغولي، التوسّع الإمبراطوري، الاستبداد الشرقي، إلخ. ومن الطبيعي أن تكون هذه نقطةٌ مركزية وحساسة داخل روسيا وخارجها، إذ لم يتعرّض بلدٌ في العالم كروسيا إلى موجات متلاحقة من التغريب والتحديث، ومن ثمّ عكسه. تدخل روسيا القيصريّة إلى نادي الدّول الأوروبيّة، وتبدأ برؤية نفسها كعضوٍ في «الأسرة»، وتهزم معهم نابليون، ثمّ تجتمع عليها القوى الكبرى وتحاصرها وتضربها. تتحوّل روسيا بسهولة وسرعة، في عيون العواصم الغربيّة، من جارٍ أوروبيّ «أبيض» إلى «آخرٍ»: آسيوي، شرقيّ، أحمر، إلخ. بالنّسبة إلى المؤرّخ بيتر غران، فإن «الطّريق الرّوسي» في التطوّر السياسي للدول هو نموذج حركة البندول العنيفة، ذهاباً وإياباً، بين مرحلة «ليبرالية» نسبياً لفترة، ثمّ تتلوها مرحلة سلطوية متشدّدة (والبلد العربي الذي يقابل نمطه التاريخي «الطريق الروسي»، يقول غران، هو العراق).