تنقل مسرحية «هل هالشي طبيعي؟» المعاناة الجماعية ضمن ملهاة سوداء يتداخل فيها السياق السياسي، والاقتصادي، والنفسي، ما جعلها محشوةً، وأفقدها ثباتاً معيناً، أو متانةً في تداخل السياقات مع بعضها، لنكون أمام عمل هجين، ذي بنية درامية مفكّكة، مليء بالكليشيهات، وأداء تمثيلي متصدع (زياد عيتاني وطلال الجردي). تمرّ «هل هالشي طبيعي؟» (كتابة خالد صبيح ــ إخراج رياض الشيرازي) على الريبرتوار اللبناني، بدءاً من الحرائق، و«ثورة تشرين»، والانهيار الاقتصادي (الدولار بخير)، ووباء كوفيد (لا داعي للهلع)، لتختتم بالزلزال والهزات الارتدادية، من دون أن ينسى صنّاع العمل، طبعاً، المرور على انفجار مرفأ بيروت، مع تطعيم العمل ببعض الأحداث السياسية التي جرت إبان اجتياح بيروت عام 1982، في محاولة لتدعيم المقاربات السياسية وربطها بالحاضر. تجري الأحداث داخل عيادة الدكتور طلال (طلال الجردي) المتنور، والنخبوي، والمنظّر، الذي يرتاد مقاهي شارع الحمرا. يعالج زياد (زياد عيتاني) وهو مياوم يعمل في التعهدات، والورش، والتصليحات. يصبحان صديقين، وينتهي بهما المطاف تحت ركام العيادة، التي انهارت نتيجة حدوث زلزال. على يمين المسرح ويساره، يتحول الركام، المصنوع من لوحين خشبيين، إلى متراسين تتقاذف من ورائهما الشخصيتان، الاتهامات في خطاب واضح، ومباشر، ومبتذل يشبه، إلى حد كبير، خطابات السياسيين في المهرجانات الانتخابية. تروّج كل شخصية لقناعاتها، ودوافعها، في نبرة عالية تثير حماسة الجمهور. بدا طلال الجردي المعلم المثقف، وزياد عيتاني الجاهل والسطحي، لكنهما في الحقيقة، وجهان لعملة واحدة، هما «المواطن»، الذي يشكو الغلاء المعيشي، والرشوة، والتلوث، وانعدام شبكة البنى التحية، لكنهما منغمسان في الرشوة، وتقديم المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة. في المسرحية، يتبادل المعالِج والمعالَج الأدوار. لكنّ كتابة الشخصيتين، على الورق، لم يتم تحضيرها بعناية، وليس فيها أي معالم لدراسة الشخصية المسرحية، ولم تسمح للممثلين زياد عيتاني وطلال الجردي بالذهاب إلى طبقات عميقة. قُدِّمت الشخصيتان بشكل معلّب وجاهز، وافتقر الأداء التمثيلي إلى الإشباع العاطفي والنفسي. نقلت الشخصيتان جزئية من المجتمع اللبناني وانهياراته، تم التركيز عليها، وتكبيرها، ووضعها تحت المجهر، بكثير من السطحية، ومن دون أي تفكيك للبعد السيكولوجي الجماعي، لما يسمّى بالحالة الهستيرية اللبنانية.
تمرّ المسرحية على الحرائق، و«ثورة تشرين»، والانهيار الاقتصادي وكوفيد لتختتم بالزلزال والهزات الارتدادية


عبر الحوار، تفرغ كل شخصية مشاعرها العدوانية، وتلقي اللوم على الآخر. تبعات ما نعيشه اليوم، هو امتداد للتاريخ الحديث، واستكمال لما شهدته بيروت من قبل. إنها منظومة متوارثة بين أجيال عدة، مع اختلاف الشخصيات والفضاءات، وازدياد حدة الأزمات. كل هذه المقاربات السياسية والإيديولوجية، وتبعاتها، ترافقت مع بحث تاريخي غير متقن، وسياق نفسي منفلت من دون أي انتظام. في النهاية، وبعد حرب المتاريس، وتقاذف الاتهامات بين الممثلين، يخفف مخرج المسرحية من وطأة العصاب والانفعالات الحبيسة بداخلنا، ويحررنا، في عملية تطهيرية، من دون أي أفق. تتصافح الشخصيتان، وتتعانقان، وتأتي نهاية المسرحية، لتزداد هشاشة البنية الدرامية. ليست «هل هالشي طبيعي؟» ركيكة فقط لجهة التأليف والتمثيل، إنّما يطال ذلك أيضاً صناعة المناظر والإضاءة، وغيرهما من العناصر السينوغرافية. لم يقبل صنّاع العمل عدم المرور على أزمة «الترند». الإعلام هو شريك لكل ما نشهده، والمذيعة «لولا» (نيكول معتوق) تقدم أداءً مهترئاً يخيّل للمخرج بأنه «تهريج». يكلّل المخرج المشهد الختامي بمشاركة الممثلين محمد شمص، والياس الهبر، اللذين كان حضورهما بلا داعٍ أو مبرر. يتحول المتراس الخشبي، إلى «عصفورية»، يدخلها الممثلون بأكملهم، غير آبهين بالدمار الذي حلّ بهم، فيما المعالج النفسي يقف مهزوماً أمام حالة الهستيريا اللبنانية، التي تعجز السيكولوجيا عن تفسيرها، وفقاً لما تؤكده المسرحية الكوميدية، التي تحمل بعض من القفشات والنكات، التي تضحك جمهوراً يتطلع إلى الضحك واللهو وتمضية الوقت.

* «هل هالشي طبيعي؟»: 14 و15، أيار (مايو) ــــ «مترو المدينة» (أريسكو بالاس ـ بيروت) ـــ للاستعلام: 76/309363